رئيس التحرير
عصام كامل

«سويقة» التعديلات الوزارية


في مصر يأتى الوزير ويرحل، وكل إنجازه الوحيد أنه أضاف إلى سيرته الذاتية لقب وزير سابق، لكنه بكل أسف لم يضف للمنصب الوزارى شيئا ولم يحقق للبلد أي إنجاز أو شيء ملموس، لا هو عرف لماذا جيء به ولماذا أقيل، ولا عرف من استوزره لماذا جاء به ولماذا أقاله، ولا توجد دولة في العالم تعين وزراءها بمحض الصدفة كما يحدث في مصر، وربما قد يتسبب إغلاق موبايل أحدهم في لحظة معينة في استبعاد اسمه من ترشيحات المنصب، لأن السيد رئيس الحكومة "مستعجل" وليس لديه وقت للانتظار والرئيس حدد له مدى زمنيا لإنجاز التغيير، أيضا مصر الدولة الوحيدة في العالم التي تستحدث منصبا وزاريا جديدا "تفصيل" لشخص بعينه ترضى عنه السلطة وترغب في مكافأته على حساب الوطن.


ما يحدث أن رئيس الدولة يأمر رئيس الحكومة بإجراء تعديل وزاري في بضع ساعات، فيفتح الرجل أجندته في عجالة ليبحث في شلة معارفه وأصدقائه، ويأتى بهم في حقائب بعيدة عن تخصصاتهم، لمجرد "سد خانة"، بحيث ينتهى الأمر إلى "سمك لبن تمر هندى"، ولذلك أصبحنا نرى أشخاصا لا يفهمون في التعليم يتولون حقيبة الصحة، ومتخصصين في المحليات يصبحون وزراء استثمار، ودارسين للاقتصاد يتولون الزراعة.

بصراحة.. لن يصبح للتغييرات الوزارية أي معنى أو جدوى طالما أن الدولة بلا استراتيجية مسبقة طويلة المدى لكل وزارة ولا تأتى بالرجل القادر على تحقيقها، فتحديد الهدف يقصر زمن الوصول إليه، وإذا استمر رئيس الحكومة ووزرائه بلا هدف أو رؤية واضحة لما نريد إنجازه، فلا جدوى للتغييرات الوزارية، المفترض أن يأتى أي رئيس الوزراء ليستكمل أجندة أهداف واضحة في كل حقيبة وزارية، ثم يختار الرجال الأكثر قدرة وتأهيلًا لتنفيذ تلك الأهداف، وقبل كل ذلك يجب أن تكون الدولة قد أعدت جيلا ثانيا وثالثا ودربته ليصبح مؤهلا وقادرا على تنفيذ نفس الأهداف بنجاح، لكن وزارات مصر تسير ببركة دعاء المصريين، لا خطة ولا هدف ولا استراتيجية.

لقد أفرغ المخلوع مبارك مصر من الكوادر ورفض حتى تعيين نائب له، وقضى على قيادات الصفين الثانى والثالث لكى يخلى الساحة لابنه ولم يكن يظهر أو يلمع سوى أولئك المرضى عنهم من أبنائه وشلة أصدقائهم وحاشيتهم.

المجيء برئيس الوزراء الحالى نفسه كان مفاجأة غير متوقعة، الرجل كل خبرته كانت في قطاع البترول، ولكن هل كان قادرا على إدارة منظومة الحقائب الوزارية المتشعبة بكفاءة، وهل جاء بأجندة أهداف اقتصادية وتنموية واستراتيجية واضحة؟ أشك.. مرة يأتون برئيس وزراء لا يفهم سوى في قطاع المقاولات، وآخر من قطاع المالية، وثالث من ميدان التحرير، ورابع من قطاع الطيران، وخامس من قطاع الرى، وسادس يفهم في التخطيط، جاءوا مثلا بوزير تعليم ثم اكتشفوا أنه يخطىء في اللغة العربية.

يفترض أن تكون الوزارات كالقطار السريع الذي يسير على القضبان، يستقله كل وزير جديد حاملا معه هدف إكمال مسيرة الوصول إلى المحطة في زمن محدد مسبقا، غير أن الوزارات في مصر للأسف صارت كالميكروباص أو التوكتوك، تترنح وتتخبط وتتنقل يمينا ويسارا وشرقا وغربا كل يوم دون أن يكون لها محطة أو هدف واضح.

منذ عشرات السنين نسمع عن الخطط الخمسية والعشرية والعشرينية، ولكن بالله عليكم، إذا كانت العشوائية تحكم التغييرات الوزارية بهذا الشكل؛ هل ننتظر تنفيذ هذه الخطط الطويلة المدى مع وزارات تتغير كل عدة شهور.

لقد تمنى المصريون جميعا تولى الخبير الاقتصادى الراحل "صلاح جودة" حقيبة وزارة المالية من فرط أطروحاته المقنعة وعبقريته في تقديم حلول سهلة ومبسطة لكل أزماتنا الاقتصادية، غير أن الرجل لم يجد من يسمعه أو يمنحه الفرصة حتى لقي ربه.

لقد احترنا والتبس الأمر لدينا ولم نعد قادرين على التمييز بين الوزير الناجح والفاشل، ولم نعد نعرف المعايير التي يقاس على أساسها استمرار الوزير من عدمه، غير أن المؤكد أن ما يحدث من تغييرات وزارية كل فترة قصيرة يعكس الارتباك في المشهد السياسي.

لقد بلغ عدد الوزراء الذين أقيلوا أو استقالوا، وأحيلوا إلى المعاش، منذ ثورة يناير حتى الآن نحو 200 وزير، بعضهم لم يمض في الوزارة سوى بضعة أسابيع أو أشهر قليلة، عندما يحدث ذلك، لا يجب أن ننتظر تحقيق إنجازات طويلة ولا حتى قصيرة المدى، والكارثة في بلدنا أن كل وزير يتولى منصبا وزاريا يمشى بـ"أستيكة" على مشوار وخطى سابقيه، ولا يبدأ من حيث انتهوا، وسنظل للأسف في هذا "العك التخطيطى" لمستقبل البلد إلى ما لانهاية.
الجريدة الرسمية