رئيس التحرير
عصام كامل

إيناس عبدالدايم: إخضاع دار الأوبرا لنظام المناقصات في استضافة الفرق الدولية.. «كارثة»

فيتو

  •  الحجز الإلكتروني لتذاكر الأوبرا بـ"ملعب التنمية الإدارية"
  • أتوقع توسع السوق السوداء بالحجز الإلكتروني و"الرادع" ليس كافيا
  •  لا صحة للخلافات بين دار الأوبرا والمايسترو سليم سحاب
  •  جامعة مصر لا تستطيع منافسة الأوبرا وخلافنا على "استغلال الاسم"
  •  ننتظر الخطة الزمنية والتمويلية لأوبرا الأقصر
  •  خلاف الأوبرا ومسرح جلال الشرقاوي على "طاولة المحاكم"
  • قوانين ولوائح الحكومة تجعلنا على أعتاب "الشلل"
  •  شركات الرعاة تتمنى تمويل مهرجاناتنا والقوانين الكارثية تمنعنا
  • لست ضد تبعية الأوبرا لوزارة الثقافة
  • عملي بالأوبرا أفضل وأكثر نجاحًا من العمل كوزيرة للثقافة
  • لو سمح لنا بالرعاة لاستطعنا ترويج جميع عروضنا عالميًا
المرأة الأكثر شغبًا في تاريخ وزارة الثقافة، فتاريخها بدار الأوبرا المصرية يشهد لها بالتمرس في خدمة العمل الفني، مهما كانت التحديات التي تواجهها، لا ترضى بغير إعلاء كلمة الفن وصوته، فلم ترهبها قوى الإخوان المسلمين وسلطتهم، فترة حكمهم لمصر، ومنعهم لعروض الأوبرا، فكانت هي خير مدافع تولى مهمته في ميدان الحرب.

هي الدكتورة إيناس عبدالدايم، رئيس دار الأوبرا، والتي تشهد في فترة ولايتها أبهى عصور نجاحها الذي يشهد به الجميع، وخلال حوار أجرته "فيتو" مع عبدالدايم، دار الحوار على النحو التالي:


- هل سلب منكِ منصبك كرئيس للأوبرا قدرتك على التفرغ للفن والعزف؟
سلب مني الكثير من الوقت، فدائما أحاول تكريس بعض الوقت للتمرين والبروفات والحفلات الخاصة بي، ولكن لا أستطيع تفريغ الوقت الكافي لها، خاصة أن الموسيقى تحتاج إلى التمرين والاستعداد بشكل دائم، إضافة إلى الاستعداد والتأهيل النفسي أيضًا.
ولكني أحاول أن أحافظ دائمًا على عدد محدد من الحفلات، وعادة ما أفشل في ذلك لأن حجم المسئولية الملقاة على عاتقي لا يسمح لي بذلك.. وعلى الصعيد الشخصي أشعر بحالة من الندم والأسى على ذلك، لأن الموسيقى هي حياتي والعزف موهبتي التي امتلكها بقوة، ولكن أشعر بتعويض عن ذلك الفقد من خلال نجاحي في إدارة دار الأوبرا.

- ما هي محاور الخطة التي اتبعتها في إدارة الأوبرا؟
الخطة بدأت فعليا بعد عام 2012، عقب ثورة 30 يونيو والأحداث التي شهدتها الأوبرا ومصر كلها، رأيت آنذاك أنه لا بد من وضع خطة متكاملة مبنية على عدة أهداف وهي: "الوصول لأكبر شريحة بالمجتمع، تنوع الفنون، الخروج من الإطار المألوف للأوبرا، تفعيل جميع مسارح الأوبرا"، ونجحنا بالفعل في تنفيذ الخطة وما زلنا نمتلك الكثير من الأفكار التي يجب علينا تنفيذها لأن "النجاح بيجيب نجاح.. والفلوس بتجيب فلوس".

- هل كانت الخطة يسيرة في تنفيذها أم واجهتها مشكلات ما؟
لا يوجد نجاح بدون صعوبات ومعوقات تقف في وجهه، وأكثر المشكلات التي ما زلت أواجهها هي القوانين واللوائح القاتلة، مما يضطرنا إلى مراجعة الحسابات والقانونيين مئات المرات ونعمل على متابعتهم أولا بأول حتى نستطيع التنسيق ما بين طموحاتنا في تقديم عدد كبير من العروض، وما بين القوانين التي تحد من ذلك.

- كانت إدارة الأوبرا قد وعدت بتفعيل منظومة الحجز الإلكتروني للتذاكر ببداية 2016، ولكن لم يتم الوفاء بالوعد حتى الآن.. لماذا؟
بالفعل أتممنا جميع ما هو مطلوب من التنمية الإدارية، والكرة الآن في ملعبهم لأنه يجب عمل عدة تجارب على الموقع الإلكتروني وطريقة الحجز قبل تفعيلها بشكل رسمي.. وستبدأ تلك التجارب في مدينة دمنهور والإسكندرية أولا لأن ضغط الجمهور هناك أقل، ثم ستنتقل التجربة إلى القاهرة، ولكن أعترف بأن هناك تأخير في تفعيل الأمر، ولست سعيدة أبدًا بهذا التأخير.

- هل يمكن للحجز الإلكتروني زيادة رقعة السوق السوداء على التذاكر؟
أعتقد نعم، لأنه لا يوجد أي نوع من الرقابة والتحكم على الحجز الإلكتروني، فلا أستطيع وضع عدد معين من التذاكر للشخص الواحد، ولكن أعتقد أن السوق السوداء هي مافيا عالمية، ليست في مصر وعلى تذاكر الأوبرا فقط، وإنما تمتد إلى كل شيء حولنا، وما يزيد الأمر سوءًا أنه لا يوجد رادع حقيقي لمن يتم إلقاء القبض عليه من السوق السوداء، لذا يتزايدون ويتمددون إلى كل شيء.

- ما السر وراء انسحاب المايسترو سليم سحاب من العمل بالأوبرا؟
سحاب من أفضل الموسيقيين بمصر، ولا يمكن أن يختلف اثنان في ذلك، وقد قدم لدار الأوبرا الكثير من الفن التي تزهو به، ولكن في الفترة الأخيرة انشغل سحاب بمشروعه الخاص بتعليم الموسيقى لأطفال الشوارع، لذا فضل الإبتعاد وتكريس كل وقته ومجهوده لذلك المشروع الذي حقق نجاحًا لا مثيل له.

- إذن، لا صحة لوجود خلافات بينك وبين المايسترو؟
لا أبدا، لا صحة لجميع تلك الشائعات، الأمر وما فيه أن مشروعه استطاع النجاح من خلال تواجده في مسرح جامعة مصر، فلا توجد أي خلافات بين دار الأوبرا المصرية وبينه.

- إلى أين وصلت قضية أوبرا جامعة مصر؟
ننتظر الآن النطق بالحكم في القضية، والقضية لا تمس مسرح الجامعة كمضمون العروض كما يشاع، وإنما نحن نعترض على تسمية المسرح بأوبرا مصر، وهو أمر غير مسموح به لأن أي دار أوبرا لها معايير ومواصفات خاصة.

- يقال إن أوبرا مصر سحبت البساط من تحت أوبرا القاهرة لما تمتلكه من مواصفات منشأة خاصة ليست حكومية.. هل هذا صحيح؟
كلام غير سليم بالمرة، لأنه لا يعقل أن يسحب مكان يقوم برعاية حفل واحد كل أسبوع أو أسبوعين، من مكان آخر تقام به الحفلات يوميًا على 7 مسارح مختلفة على نطاق الجمهورية.

- حصلت الأوبرا مؤخرًا على 3 ملايين يورو كتعويض عن عرض أوبرا عايدة في مسرح الصوت والضوء، فما الذي تتمنينه من استثمار لذلك المبلغ؟
سيدخل المبلغ إلى ميزانية الدولة، وهي من ستحدد ما إذا كان يمكن دخوله في موازنة الأوبرا، أم لأي قطاع أو مشروع آخر.. ولكني أتمنى بشكل شخصي أن يتم استثمار المبلغ في الانتهاء من أحد المشروعات التابعة للأوبرا والتي مازالت متوقفة، مثل بناء دار أوبرا الأقصر.

- ما هي الخطة الزمنية لإنجاز مشروع أوبرا الأقصر؟
لا توجد خطة زمنية حتى الآن، لأن المباحثات مستمرة حول كيفية البناء والممول، لذا ما زلنا ننتظر معرفة جهة التمويل التي ستتبنى بناء الأوبرا.. هل ستكون ميزانية محددة من الدولة، أم ستتبنى إحدى الدول إنشاءها كما حدث مع دار أوبرا القاهرة عندما تولت اليابان عملية الإنشاء والتمويل، لأن عملية إنشاء أوبرا ليست بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى تمويل كبير جدًا.

- هناك مطالبات بانفصال دار الأوبرا عن وزارة الثقافة لإتاحة فرصة أكبر لها من الحرية.. فما رأيك؟
بالفعل ترددت هذه المطالبات كثيرًا، ولكن سواء انفصلت عن الوزارة أو بقيت تحت ظلها فهذا لن يغير شيئا من الأمر، لأنها في الأول والأخير قطاع حكومي تحكمه القوانين واللوائح والميزانيات المحددة، وأنا لست ضد تبعية الأوبرا للوزارة، لأن وزارة الثقافة هي الكيان الذي رعى جميع المشاريع الثقافية الكبرى بالدولة قديمًا مثل أكاديمية الفنون وغيرها، ووجود الأوبرا تحت مظلة الوزارة هو بمثابة داعم لمشاريعها ويسهل عملية الموافقات على كثير من الأمور.

- ولكن تخضع الأوبرا كونها قطاعا حكوميا لنظام المناقصات في استضافة الفرق الدولية، فما الخطر الذي يمثله هذا الأمر؟
ليس خطرا فقط، وإنما "كارثة" حقيقية، أتمنى تغييرها، فلا يعقل أن يعامل الفن بنظام المناقصات والمزايدات، فهناك بعض الفرق الأجنبية التي لاتمتلك مندوب لها في مصر مما يضطرنا للجوء إلى سفارات تلك الدول، وهو أمر يستغرق الكثير من الوقت بدون فائدة، ولا يمكننا من استضافة الفرق التي نتمنى تواجدها واستضافتها على مسارح الأوبرا، ولكن ما يطمئنني دائمًا هو أن الأوبرا تمتلك كتيبة مقاتلين، تقاتل دائمًا من أجل إعلاء قيمة وصوت الفن، مهما كانت الصعوبات التي تواجههم.

- هل تضيق الدولة الخناق على مساحة الحرية وحركة الأوبرا وفنانيها؟
يكمن ذلك في القوانين واللوائح التي تضعها الحكومة على الأوبرا، فكيف يمكن تطبيق قوانين موظفي الدولة على فناني الأوبرا، وهناك فرق شاسع ما بين الموظف والفنان، خاصة في فنون الأوبرا لما تمتلكه من ندره في تخصصاتها.. أتفق في ضرورة وجود قوانين تنظم الحركة والعمل، ولكن لا بد أن تفصل الحكومة مابين شخصية الفنان والموظف في قوانين ولوائح التعيين والتثبيت، فلا يوجد فنان في العالم يخضع لمثل هذه الأمور الغريبة.

- ماذا لو لم يتم التراجع وتعديل تلك القوانين، ماهي النتائج المتوقعة حيال الأمر؟
إذا لم يتم تعديل تلك القوانين فسيؤدي ذلك إلى اندثار الفنانين ذوي التخصصات النادرة، أو لجوئهم إلى الخارج وهو ما يحدث الآن بالفعل.

- إذا ما هي الإجراءات التي تتخذها الأوبرا لتغيير تلك القوانين؟
لا يمكن أن نتحرك بدون وزير الثقافة، لذا كتبنا له لنستحثه مخاطبة رئيس الوزراء، لتغيير وتعديل بنود التعاقدات والقوانين واللوائح، لأن الأوبرا بالفعل بدأت بالدخول في مرحلة شلل عام من تلك القوانين، ويجب أن تراعي الدولة والحكومة أن الدول العربية تتقدم وتسحب البساط من مصر، من خلال سحب الموارد البشرية والفنية ودعمها لوجيستيا واستخدامها لصالحها، في حين تخسر مصر فنانيها بسبب اللوائح والمعوقات.

- وصفت العاملين بالأوبرا بأنهم كتيبة من المقاتلين، فمتى يمل المقاتل من الحرب؟
(تبتسم): كثيرا ما يمر عليّ وعلى جميع العاملين لحظات إحباط، نقول فيها إننا نصارع بدون فائدة، ولكن سرعان ما نستعيد عافيتنا.. ما أريد أن أقوله هو أن كتيبة المقاتلين تلك ستعلن عجزها عن الحرب عندما يتملك الإحباط منها، وأنا بفضل الله امرأة ضد الإحباط ولن أسمح له بامتلاكي.

- ماذا لو عرض عليكِ منصب وزير الثقافة مرة أخرى.. هل ستقبلين؟
لا أظن ذلك.. لأن عملي بالأوبرا أفضل وأكثر نجاحًا من العمل كوزيرة للثقافة.

- ما سر النزاع بين الأوبرا ومسرح جلال الشرقاوي الكائن بجوار معهد الموسيقى؟
الخلاف قديم جدًا حول ملكية الأرض وتبعيتها للأوبرا أو للمخرج جلال الشرقاوي، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، وهناك قضية ما زالت في المحاكم حتى الآن من سنوات طويلة.

- وماذا عن مسرح الواحة بمدينة 6 أكتوبر، إلى أين وصل العمل به؟
يمر المسرح بالإجراءات القانونية اللازمة للانتهاء منه وتسليمه، فالتمويل المادي موجود ولكن نعمل الآن على الانتهاء من المخالصات اللازمة، وكان هناك بعض المناقشات حول طريقة تصميم المسرح حول إمكانية جعله مسرح مفتوح أم مغطى، وتم الاستقرار على أن يكون التصميم بـ "سقف متحرك" يمكن إغلاقه وفتحه حسب الرغبة.
يمكن القول أنه تم الانتهاء من أكثر من 75%، على الرغم من توقف العمل على الإنشاء لمدة 15 عاما، حتى وصل الحد إلى إمكانية سحب الأرض المخصصة للمسرح من الأوبرا، ولكن بحمد الله تم تدارك الأمر واستطعنا الإنجاز.

- برأيك.. ماهي اللعنات التي تلاحق وزارة الثقافة؟
لا أؤمن كثيرًا بمصطلح لعنات أو بؤر فساد، وإنما أرى أن تلك اللعنات لا تلاحق الوزارة فقط، وليست مختصة بقطاع محدد، وإنما تحاصر المجتمع المصري ككل، فالسلوك العام للمواطن أصابه خلل كبير، ومرحلة صعبة تمر بها البلاد بشكل عام.

- ولكن لم تشهد الوزارة أي نهضة منذ 2011 حتى الآن، فما السبب؟
أخالفك الرأي، ربما شهدت الوزارة منذ عام 2011 وحتى الآن تغيير العديد من الوزراء، ولكن كان لكل منهم بصمته، وربما يتعلق تراجع أداء الوزارة بكثرة التغييرات الوزارية المتلاحقة هي التي لا تمهل الوزير بإحداث تغيير واقعي وملموس.. ناهيك عن الأحداث الصعبة التي تمر بها البلاد والمنزلقات السياسية التي من شأنها إيقاف دوائر العمل أو تعطيلها.

- الدورة المقبلة لمهرجان الموسيقى العربية هي اليوبيل الفضي له، فما الجديد التي تعدينه؟
أولا سيتم مد فترة مهرجان الموسيقى العربية ومهرجان الموسيقى والغناء بالقلعة إلى 15 يومًا متتالية بدلا من 9 أيام فقط، وقد بدأنا بالفعل بعقد عدة جلسات لطرح أفكار جديدة يمكن تنفيذها خلال الدورة، وما أتمناه بالفعل هو الخروج بدوره تليق بحجم مصر ودار الأوبرا وتاريخ المهرجان.

- من هم أوائل النجوم الذين تسعين لاستضافتهم بالمهرجان؟
أتمنى فعلا استضافة الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي وكاظم الساهر ووائل جسار، ونعمل على ذلك بالفعل، ولكن ليس هناك أي تأكيد حتى الآن.

- استضافة مثل أولئك النجوم، ألا تمثل عبئا على ميزانية المهرجان؟
الكثير من كبار الفنانين يتبرعون بأجورهم ولا يتقاضون أي عائد مادي في سبيل الظهور بالمهرجان، فرغم الزخم الفني والموسيقى بالدول العربية وتمويلهم المادي الكبير للفنانين، إلا أن مهرجان الموسيقى يثبت أنه الأكبر وأنه القادر على استعادة ثقة رموز الفن إلى مصر.. الكثير من الفنانين طلبوا فعليا التواجد بالمهرجان في دورته المقبلة.

- مؤخرًا عملت شركات الإنتاج وتنظيم الحفلات الخاصة على استضافة نجوم عالميين، بأسعار تذاكر مبالغ فيها، فهل تستغل تلك الشركات عجز الأوبرا المالي؟
يمكن أن يكون هذا صحيحًا، وذلك لأن الأوبرا بها حد أقصى من الموافقات والميزانيات التي تتحرك من خلالها، فلا يعقل أن أستضيف فنانا بملايين الجنيهات على مسرح يحمل ألف شخص فقط، إضافة إلى أن الأوبرا كقطاع حكومي غير مسموح لها بالتعامل مع شركات الرعاة، على الرغم من الكثير من العروض التي تعرض على الأوبرا ولكن لا يمكننا التعامل معها وهذه "مأساة" في حد ذاتها، فلو أن اللوائح والقوانين تسمح لنا بقبول الرعاة، لاستطعنا ترويج جميع عروض الأوبرا عالميًا بشكل يليق بحجم مصر ومكانتها.. ولكن للأسف.

- الأوبرا تحقق نجاحات متتالية، ولكن برأيك ما هي الأشياء التي ما زالت تنقصها حتى الآن؟
سأكون صريحة، لا يوجد شيء كامل، فعلى الرغم من الزخم الفني الذي استطعنا إنجازه إلا أن هناك الكثير من الأمور التي تنقصنا، وهي تتلخص في: "ميزانية أكبر نستطيع من خلالها استضافة فرق عالمية، وتفعيل فرق الأوبرا داخليًا، مقابل كافٍ ومناسب للفنانين والموظفين الإداريين والعاملين".

الجريدة الرسمية