رئيس التحرير
عصام كامل

البابا: الإلهام جاءني على سلم المترو.. وكدت أموت غرقا بسبب الشعر

البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث

كان معروفا عن قداسة البابا أنه يقرض الشعر بإتقان. فمتى بدأت هذه الملكة عند قداسته؟ وكيف قام بتنميتها وصقلها حتى أصبحا بهذه القوة: قال قداسة البابا «بدأت ملكة الشعر عندى منذ سنة ثانية ثانوى التي تعادل ثالثة إعدادى حاليا.. وكان ذلك سنة 1938، وكنت وقتها أقرض الشعر بطريقة غير مدروسة. وفى تلك السنة تعلمت قواعد الشعر.


وأصبحت أنظم شعرا موزونا، يعنى لا أخجل من أن أسميه شعرا، وكان الشعر الذي أقرضه سهلا وإن وجدت كلمة صعبة أحاول أن أتفادها بكلمة سهلة لدرجة أن بعض التلاميذ الصغار كانوا يحفظونه هم أيضا، وأختار الموسيقى اللطيفة التي تناسب الشعر، أقصد الوزن الذي يناسبه والألفاظ السهلة التي يمكن أن تستخدم. كنت أقول الشعر الرصين وفى نفس الوقت أقول الزجل والشعر الفكاهى وألوانا من هذاالنوع.

أتذكر من بين الأبيات القديمة جدا التي ربما أكون قد نظمتها وأنا تلميذ في ثانوى سنة 1940 أو 1941 عندما كنت أرى أن الناس إما أغنياء جدا أو فقراء بجوارهم لا يجدون قوتهم. فقلت عن الإنسان الفقير وسط هؤلاء الناس.
حوله الأنهار تجرى وبها عذب الماء
وهو صاد يتشهى قطرة تشفى صداه
جف منه الحلق لكن قد تندت مقلتاه
بح منه الصوت من قوله دوما آه آه
وفى صغرى على الرغم من الخجل، كان عندى روح مرح وفى حفلات الكلية كنت ألقى بعض الأزجال أو الأشعار الفكاهية، مثلا كانت الجغرافيا صعبة ويرسب فيها الطلبة دائما فكتبت مرة زجلا عن الجغرافيا قلت فيه:
حاجة غريبة بأدخلها بالعافية في مخى ما تدخل
ورياح مبلولة تجيب ميه ورياح جافة ما تمطرش
ورياح بتساحل في الساحل تتبع تعريجة وتمشى
ورياح بتغير وجهتها ورياح تمشى ما تحودش
أنا عقلى أتلخبط بين دى وديه ما أفرقش
حاجة غريبة بأدخلها بالعافية في مخى ما تدخلش
العجيب أننى بعد ذلك درست جغرافيا.

قصيدة في وسط البحر
وقال أيضا مرة حكاية الشعر دى كانت ستفقدنى حياتى.. أذكر هذه القصة تماما.. عندما كنت في الجيش، كنا نخرج في طابور بحر، إما في معسكر بسيدى بشر أو بمعسكر في المندرة.. ولم أكن أعرف السباحة ولا زلت.. في سيدى بشر كان عمق المياه على الشاطئ بسيطا ويستطيع الشخص أن يمشى فيه مدة طويلة دون أن يجد عمقا للمياه.. وكان البعض قد قالوا لى إنه عندما ينام الإنسان على ظهره تماما ويبسط جسمه ويبسط ذراعيه، فإن الموجة تحركه دون أن يعوم.. أنا عملت كده تماما وبسطت ظهرى فوجدت فوقى السماء والنجوم وبدأت أؤلف شعرا، تذكرت أننى لا أعرف العوم وقلت لنفسى ماذا سأفعل لو قادتنى الموجة إلى مسافة بعيدة، فكيف سأعود؟.. رحت واقف لقيت المية كده لحد رقبتى.. يعنى لو كنت انتظرت دقيقة واحدة تانى.. كنت خلاص حأكمل خدمتى في كنيسة الأبكار «انتقل من هذا العالم».. وفضلت أجاهد علشان أصل للشاطئ وكل ما أدوس ألاقى الأرض تجرى من تحت منى.. أشكر ربنا أنى وصلت للشاطئ. ولم أعد أؤلف شعرا وأنا نائم فوق المياه مرة أخرى..»

قصيدة على سلم المترو
وقال أيضا اتذكر أننى كتبت قصيدة وأنا متشعلق في مترو مصر الجديدة والهواء يعصف بى وقلت فيها:
قم حطم الشيطان لاتبقى لدولته بقية
قم بشر الموتى وقل غفرت لكم تلك الخطية

الشعر والاتجاه الدينى والصوفى والروحى
عندما دخلت في الحياة الدينية العميقة تخلصت من كل الأشعار القديمة إلا ما بقى في ذاكرتى من بعض أبيات قليلة، وبدأ الشعر يأخذ ناحية دينية، يعنى أعتقد أننى في سنة1945، في سنة ثانية كلية الآداب قلت قصيدة:
هو ذا الثوب خذيه إن قلبى ليس فيه
عن يوسف الصديق. وعندما كنت في ثالثة كلية الآداب سنة 1946 كتبت قصيدة
غريبا عشت في الدنيا نزيلا مثل آبائى
غريبا في أساليبى وأفكارى وأهوائى
تحار الناس ما ألفى ولا يدرون ما بائى
ومن هذه القصائد كان يتضح اتجاهى الدينى وأنا طالب في الكلية، وفى سنة 1947 كنت طالبا في الكلية الإكليركية، ومن ذلك الحين بدأ شعرى يأخذ الاتجاه الدينى والصوفى والروحى، وعندما بدأت أكتب في مجلة مدارس الأحد صدر العدد الأول من المجلة في أبريل 1947 وكان يحمل لى قصيدة هي:

كم قسى الظلم عليك كم سعى الموت إليك
وظلت القصائد بهذا الشكل تتوالى.. وفى الرهبنة كان لدى وقت وأنا في الدير لكى أنشد شعرا، وعندما كنت في المغارة نظمت بعض القصائد حيث كنت في الجبل وتمر على الأسابيع بالمغارة لا أرى وجه إنسان فنظمت قصيدة «همسة حب» التي تم تلحينها ويرتلها الناس حاليا والتي أولها قصيدة:
قلبى الخفاق أضحى مضجعك
في حنايا الصدر أخفى موضعك
ونظمت أيضا قصيدة «من تكون» و«كيف أنسى». وحاليا ليس لدى وقت أنظم فيها شعرا، فكلما أردت أن أنظم قصيدة أجد أمامى الكثير من المسئوليات من كتابة مقالات أو كتب أو مشكلات كنسية أو خلافه».
الجريدة الرسمية