رئيس التحرير
عصام كامل

أليفون باءون تاءون ثاءون !


لا عاد فيها ألف ولا باء ولا ثاء ولا تاء، إنما عاد فيها البتاع ! كل حرف صار يدعي البتاع، والبتاع هنا غير البتاع الذي وضع فيه وعنه الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم قصيدة تحمل عنوان البتاع ولها مدلول جنسي !


نحن، بصراحة كالرصاصة، نعيش في جيل البتاع، وزراء ومسئولين وطلاب جامعة !

الكارثة القاصمة ليست في اللسان الفاشل للوزير أو الدكتور الجامعي أو مدير المدرسة، أستثني طبعًا السيد "ناظررر المضرسة"؛ لأنه من جيل تشبع بالعربية نطقًا وكتابة.

الكارثة الحقيقية هي أن قطاعًا كبيرًا جدًا من الشباب الآن فخور ومعتد بأنه لا يعرف العربية، بل إنه يستخدم الحروف الإنجليزية على الكيبورد بديلا للحروف العربية، كما فعل التركي كمال أتاتورك، الذي جعل اللغة التركية تكتب بالحروف الإنجليزية تحديثا لبلاده والتحاقا بالغرب.

أكاد أصرخ من الألم وأنا أدرس مادة الترجمة الإعلامية في إحدى الجامعات، بسبب نظرة الطلاب لي على أني قادم إليهم من كوكب المريخ ! أدقق في النطق وفي الإملاء وفي الصرف والنحو وأشرح إن وأخواتها والأسماء الخمسة والنعت والمنعوت !

الترجمة من العربية إلى الإنجليزية والعكس، تحتاج بطبيعة الحال إلى المهارة العالية في اللغتين والسيطرة الكاملة على أدواتهما، والمعرفة المحيطة بالدلالات الثقافية والاجتماعية، بل الظرفية، لكل لفظ أو مصطلح، حين أستعيد ما كتبه أحد الطلاب، من عجز شبه كامل وحيرة أشبه بحيرة الطفل الباحث عن حرف يتواصل به مع أمه، حين أرى اللغة العربية فضيحة كاملة على لسانه وفي ورقة الإجابة، والإملاء فاسدة مدمرة والنحو ضائع مفقود، أدعو من كل قلبي بالوجع والعذاب على كل من ظلم هذا الجيل والأجيال الثلاثة السابقة عليه! كلمات مثل الولايات تراها مكتوبة وليات، وما يضحك ويبكي، يسأل الطلاب بحرقة، هل ستحاسبنا على الإملاء والنحو، فوتهم فوتهم الله يخليك.

هؤلاء طلبة سيخرجون إلى الحياة محامين وصحفيين ومهندسين ودعاة، فكيف سينقلون أفكارهم، في عربات محطمة! وكيف يتبلور فكر أصلا، دون قراءة.

كنت، في بداية حياتي الصحفية، في روزاليوسف، بيتي الذي علمني، أعمل في الديسك، أقرأ وأعيد كتابة وصياغة بعض المواد الصحفية، وأذكر أني صعقت في يوم، حين لاحظت أن كاتبا كبيرا يكتب الذين، في الجمع، بوصفها للمثنى، اللذين!

لما راجعته متأدبا، ضحك كثيرا جدا، ورد على بحب أنه يعرف أنها خطأ لكنها صارت لازمة.. قلمه مصمم عليها، يكتبها رغم أنفه !
ضحكنا، كان ذلك مبلغ الخطأ.

هو الآن، الخطأ صار خطيئة في كتابات أعداد كبيرة من الصحفيين الشبان والوسط.

من القاتل للغتنا العربية ؟!
ممكن جدًا أن ألقي الاتهام سريعًا في حجر الدولة، وحسني مبارك ومورسي الجاسوس، ومنصور العابر، والسيسي القائم، ونريح الضمير ونعلي لافتة الشجاعة.. لكن الحقيقة هي أن القاتل الأول هو الأسرة المصرية المتوسطة، التي مضت تتباهى، حين استقرت أمورها المالية، بإلحاق الأطفال في مدارس اللغات، ليتعلموا الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وتخرجوا منها بنصف أو ربع لسان شبه معوج من هذه اللغات وبلا لسان تقريبًا في اللغة العربية.

أيضًا الأسر المصرية التي سافرت إلى الخارج، وعادت، يعاني الطلاب والطالبات من عجز شبه كلي في ألسنتهم وحروفهم العربية المكتوبة وحتى المقروءة.

ولما تطلب من طالب خريج مدارس لغات أن يقرأ النص بالإنجليزية، يتلعثم ويتوقف، ويخجل ويستقطع ضحكة خلاص من الموقف.. لا إنجليزي ولا عربي ؟!

إذا أردت أن تعرف حجم الكارثة، تابع كتابات الناس والشباب على "فيس وتويتر"، وتابع مرافعات المحاكم، قراءة وكتابة، من كل الأطراف، وتابع، خطب وكلمات الوزراء، والمسئولين ومقالات رؤساء تحرير جهلة قبل أن يراجعها ويصححها جندي مجهول اسمه المصحح!

ولأن الوضع كارثي، يتعلق بالعزة والفخر الديني بأن لغتنا هي لغة القرآن الكريم، فإن المطلوب هو عودة حصة الإملاء الآن وفورًا، وتدريس قواعد النحو من مدرسين نتأكد أنهم يعرفون حقًا ما هي قواعد النحو.. سيقول البعض إن حصص الإملاء موجودة.. ونرد موجودة وهذا هو المستوى؟! هي إذًا جريمة يرتكبها معلم جاهل يحمل أقدس الأسماء.. المعلم.

يا الله.. كم أدين لرجلين بعمري وعنقي وقلمي، علماني الإملاء والنحو وحب اللغة: الأستاذ نصيف صليب، جارنا الراحل تغمده الله برحمته، وخالي الراحل فخري رزق، كان يراجع ما أكتبه قصصًا وموضوعات وينصح ويصحح.
انقذوا اللغة العربية، وأعيدوا لها هيبتها وسلامتها لأن جيلا يجهل لغته هو جيل مفتوح الهوى والهوية على غير وطنه وهويته !
الجريدة الرسمية