حكاية حمار في المزلقان!
الفيديو كان مُفزعًا للغاية، حوذي (عربجي بالبلدي) يقود عربة كارو يجُرَّها حُمار أُجبَر على التوقَّف أمام أحد المزلقانات المُغلقة، ويبدو أن صبره قد نفد في انتظار مرور القطار الذي تأخَّر عن موعده حسب التوقيت المحلي للحُمار، فقرر العربجي المرور على الفور كنوع من الثورة على هذا الواقع المُجمَّد، ومن أجل الاستعجال في تحقيق المكاسب والحصول على حُريته، مُتخلصًا من القيد الذي أدمى معصميه!.
الكاميرا التي التقطت الحادث كانت مُثبتة في مكان استراتيجي مهم للغاية، واستطاعت تسجيل كافة التفاصيل، الحُمار يمُر من أسفل الحاجز الخشبي القائم بشكل أفقي، والعربجي يحاول الانحناء كثيرًا وهو قاعد مكانه علشان يمُر معاه، يتشبث به الحاجز الخشبي ابن الحلال كأن قلبه حاسس، ومين قال إن الخشب معندوش قلب ولا مشاعر؟ وفجأة يمُر القطار فيأكُل الحُمار وينجو العربجي بسبب تعطيل الحاجز الخشبي أبو قلب حساس له.. والحمد لله إنها جات في الحُمار، فما أكثر الحمير المُتبقية!.
في برنامج العاشرة مساءً، كان على الزميل العزيز وائل الإبراشي أن يقوم بإذاعة الفيديو مصحوبًا بتعليق حضرته عليه، وقد بدا آسفًا بخصوص الحُمار وهو يؤكد أن جمعيات الرفق بالحيوان ستغضب ومعه حق؛ فالحمير في بلدنا مش واخدين حقوقهم زي ما هُما واخدينها في الخارج، على سبيل المثال في العراق هُناك حزب الحمير الكردستاني، وفي أكبر بلاد العالم وأكثرها تقدُما الولايات المُتحدة الأمريكية هُناك حزبان يتنافسان دائمًا على تولي حُكم البلاد وبالتبعية العالم كُله، أحدهما الحزب الديمقراطي والآخر الحزب الجمهوري، أما الثاني فرمزه الفيل، والأول رمزه لا مؤاخذة الحُمار!.
وقد تندهش يا عزيزي إذا عرفت أن حزب الحُمار الأمريكي هذا هو مَن يحكُم العالم الآن بالفعل عن طريق مُمثله (باراك أوباما) الرئيس الحالي لأمريكا، كما أن سوابق الحزب في حُكم العالم كثيرة عن طريق مُمثلين سابقين لحزب الحمار مثل (بيل كلينتون) و(جيمي كارتر) و(جون كيندي) بتاع (مارلين مونرو) اللي واضح إنها كانت بتحب الحمير، والذي قُتل قبل إتمام فترته الرئاسية الأولى رميًا بالرصاص مش وهو بيعدي المزلقان، و(هاري ترومان) الذي ألقى القُنبلة الذرية على اليابان ليُبرهن عمليًا على أحقية حزبه في أن يكون حزب الحمير!.
وحتى لا نبخس حق أحد فلم تخلُ مصر من الجانب الرعوي للحمير، فقد أسس الفنان الراحل (زكي طُليمات) جمعية الحمير المصرية قبل 75 عامًا تقريبًا، والتي أعيد تأسيسها عام 2004 بهدف رعاية الحمير في مصر، بالإضافة لامتلاكها لأنشطة اجتماعية، كما يحمل أعضاؤها من البني آدمين لرُتب مُخصصة للجمعية مثل الحرحور (الجحش الصغير) قبل أن يترقى حسب مجهوده وأقدميته إلى رُتب أعلى مقامًا مثل حامل البردعة والحُمار الكبير!.
ونعود لـ"الإبراشي"، الذي لم يغب عن البال ولا الموضوع طويلًا، وقد أصر على توجيه سؤال حول تأمين المزلقان لأحد مسئولي وزارة النقل وهو يشجُب ويستنكر حوادث المزلقانات، ويؤكد أن اليوم مات حُمار عربة كارو، وغدًا سيموت تلاميذ في أتوبيس مدرسة، أو مواطنين في ميكروباص، وكان الرد في مُنتهى البساطة أن المزلقان كان مُغلقًا، والحاجز الخشبي مُقام أمامه، فأين التقصير في هذا الحادث بالأخص؟!.
والحقيقة أن الرَد كان منطقيًا، ولم يحتج المُشاهد أصلًا لمُداخلة من مسئول بوزارة النقل ولا الري، فكُل ذي عينين شايف الحادث، وفاهم إن الخشبة تُمثل حاجز وإشارة صريحة لمنع المرور، وأن تخطى الحُمار لها يُعد جريمة انتحار مع سبق الإصرار والترصُد والحمورية، وأن نجاة العربجي - كما يرى كُل ذي عينين - كان سببها بعد مشيئة الله تلك الخشبة التي تغاضى (الإبراشي) عن دورها، ولولاها فعلًا لاستمر العربجي وحماره رفيقين في الموت كما كانا رفيقان في الحياة!.
وفي الواقع فإن المؤاخذات والسلبيات التي يُمكن أخذها على الحكومة الحالية أو أي حكومة أخرى تُعد بالملايين بل بالمليارات، لذا فإن ترك الإشارة لتلك المؤاخذات الحقيقية من أجل العبث بالإيجابيات وتحويل الأمور الطيبة -النادرة - لسلبيات بدورها لهو تصرُف لا يختلف عن تصرُف الحمار القتيل؛ فالمزلقان قائم ومُغلَق في موعده المُحدد بعلامة وحاجز منع بالفعل العشرات من المرور كإشارة صريحة إلى أن الموت ينتظر المتجاوز، يعني بالبلدي محدش له حِجة، ولا يُمكن مُطلقًا توجيه اللوم أو العتاب في هذا الحادث بالذات إلا للحمار وشريكه فحسب، وإلا كان علينا - لو قبلنا بسؤال (الإبراشي) - أن نُطالب الحكومة بألا تكتفي بوضع الحواجز فحسب على ضفتي النيل وجانبي الكباري كي لا يسقط الناس في الماء غرقى، وإنما عليها أيضًا أن تقوم بردم النهر أو صنع سقف له بطول وعرض مجراه لمنع الانتحار مثلًا!.
ولا يُمكن منطقيًا لتأمين المزلقانات أن يتم بناء جدران أسمنتية أمامها، ومن ثم هدمها بعد مرور القطار، ثم إعادة بنائها قبل موعد القطار التالي، ومن المُستحيل صنع بوابات حديدية زي اللي في شارع قصر العيني مثلًا - كما طلب أحد المُزايدين من أصحاب الآراء النظرية المُغرقة في الخيال والفذلكة معًا - فهو أمر غير منطقي ولا عملي لأن معظم مناطق المزلقانات بتكون مفتوحة من الجانبين لمساحات واسعة، واللي يعدي من تحت الخشبة هيلف من حول البوابة زي الحُمار بطل قصتنا!.
إذن لم يبق حتى يتم تأمين المزلقان وإجبار الناس على الحفاظ على حيواتهم وحيوات حميرهم إلا الاستعانة بقناصة واقفين على أسطُح المباني المجاورة في نفس مكان الكاميرا لاقطة الحدث حتى إذا ما حاول أحد المواطنين أو الحمير عبور الحاجز الخشبي بالعافية، يتم إطلاق النار عليه فورًا كي لا يسقُط تحت عجلات القطار ويسيل دمه فوق القضبان!.