رئيس التحرير
عصام كامل

البابا شنودة.. معلم الأجيال وحبيب الملايين «بروفايل»

البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث

«غريبًا عشت في الدنيا نزيلًا مثل أبائي.. غريبًا في أساليبي وأفكاري وأهوائي غريبًا لم أجد سمعًا أفرغ فيه آرائي.. يحار الناس في ألفي ولا يدرون ما بائي يموج الكون في مرح وفي صخب وضوضاء».. حروف سطرها الشاب نظير جيد عام 1946.


لم يكن يعلم الشخص الذي عاش يتيما بقرية سلام بأسيوط بعدما فقد والدته، أنه سيصبح راهبا، ومنها أول أسقف للتعليم وبعدها بابا وبطريرك لشعب عريض.. إنه البابا الراحل شنودة الثالث البطريرك الـ 117 في عداد باباوات الكنيسة.

غاب عن العالم، في مثل يومنا هذا عام 2012.. بعد خدمة طويلة للكنيسة ولهذا لقبوه بـ«معلم الأجيال وحبيب الملايين»، ومواقفه جعلت منه «بابا العرب» وشخصية عالمية.

مولده

في قرية صغيرة بجنوب الصعيد تدعى سلام والتابعة لمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، ولد في 3 أغسطس عام 1923 وحمل اسم نظير جيد روفائيل، توفيت والدته بعد مولده بساعات، فالتصق "نظير" بشقيقيه روفائيل الأخ الأكبر، وشوقى الذي أصبح فيما بعد المتنيح القمص بطرس جيد، وخمس من الأخوات البنات.

دراسته

تنقل ما بين الإسكندرية ودمنهور وارتبط بشقيقه الأكبر، نظرًا لترحاله بطبيعة عمله، فكان دائمـًا شغوفا للمعرفة وحب الاطلاع، وفى المرحلة الجامعية التحق بجامعة فؤاد الأول، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947.

وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية، وحصل على الليسانس بثلاث سنوات، وبعدما تخرج من الكلية الإكليريكية عمل مدرسًا للغة العربية ومدرسا للغة الإنجليزية، وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميذًا وأستاذا في نفس الكلية في نفس الوقت.

وانطلق في خدمته في مجال مدارس الأحد عام 1939 في كنيسة السيدة العذراء بمهمشة والتي كانت كنيسة الكلية الإكليريكية في ذلك الوقت وكانت في فناء الكلية، وفي عام 1940 - 1941، أنشأ فرعا لمدارس الأحد في جمعية الإيمان بشبرا، ونظرا لنشاطه الكبير ضمه الإرشيدياكون حبيب جرجس للجنة العليا لمدارس الأحد.

واشتهر بخدمته للشباب بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، حيث كان مستخدمًا لباقة الحديث وثقافته، كان شغوفًا بالكتابة والقصائد الشعرية وعمل لمدة سنوات محررًا ثم رئيسًا لتحرير مجلة "مدارس الأحد" وفي الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة، ودخل الخدمة العسكرية وخرج منها برتبة ملازم أول.

طريق الرهبنة

بدأ في حياة "نظيـر" منحنى آخر، بعدما كتب آخر قصائده، بعنوان "يا سائح" فذهب إلى طريق الصحراء "بدير العذراء السريان" حيث الهدوء والصلاة، ترهبن باسم (أنطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، وعاش حياة الوحدة من عام 1956 إلى 1962 في مغارة تبعد نحو 7 أميال عن مبنى الدير مكرسًا فيها كل وقته للتأمل والصلاة.

نال درجة القسيسية، وأسند إليه الأنبا ثاؤفيلس ــــ رئيس الدير آنذاك ــــ الإشراف على المكتبة الاستعارية والمخطوطات في دير السريان بعد أن تركها القس مكاري السرياني "الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة ـــ الذي قتل مع السادات".

وبعد عشرة أعوام شغل منصب سكرتير خاص لقداسة البابا كيرلس السادس في عام 1959؛ ومن ثم رُسِمَ أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية، في 30 سبتمبر 1962.

وبعد رحيل البابا كيرلس السادس أجريت انتخابات للبابا الجديد، وجاء بالقرعة الهيكلية الأنبا شنودة أسقف التعليم ليكون بطريركًا للكنيسة، يوم الأحد 31 أكتوبر 1971 م، بدأ القداس الذي يسميه الأقباط قداس "القرعة الهيكلية"، بحضور رجال الدولة وسفير إثيوبيا وعدد من الشخصيات العامة، وجاء في الورقة التي اختارها الطفل أيمن منير كامل غبريال من بين الأسماء، البابا شنودة بطريركًا.

وفي 14 نوفمبر 1971، أقيم حفل تتويجه وتجليسه على الكرسي البابوي، بحضور وفود من كنائس متعددة ورجال الدولة، ومن بين الحضور كان مار إغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس، ومار خورين الأول كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس، ووفد من الكنيسة الهندية السريانية الأرثوذكسية، ووفد من الكنيسة الإثيوبية برئاسة ثاؤفيلس بطريرك إثيوبيا. وكذا الكنيسة الروسية وممثل عن الأزهر وعن الدولة.

وشهدت الحقبة البابوية نهضة في التعاليم الكنسية والكرازة، حيث دشن وافتتح عددًا من الكنائس القبطية بالمهجر، وقام بسيامة أكثر من 100 أسقف، واشتهر بموقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل.

وافته المنية ليترك فراغًا وقتها في 17 مارس 2012، ليظل ثلاثة أيام جالسًا على الكرسى البابوي يتوافد عليه الملايين لإلقاء نظرة الوداع وفقا للتقليد الكنسى، بعد أن احتشدوا من كل دول العالم، مسلمين ومسيحيين، وتباكوا على فراق بابا مصر والعرب بعد حقبة بابوية اجتازت الأربعين عامًا.

دفن في تابوت أهداه إليه البابا بندكتوس السادس عشر بابا الفاتيكان، ويرقد جثمانه بدير الأنبا بيشوى ليتوافد عليه الزوار للتبارك به، وتحتفل الكنيسة بذكرى رحيله كل عام.

وكان البابا تواضروس الثانى - البابا الحالى، طيب مزار الراحل بـ "عطور وحنوط" مساء أمس بحضور لفيف من المطارنة والأساقفة، وعدد غفير من الزائرين للتبارك من مزاره.

الجريدة الرسمية