رئيس التحرير
عصام كامل

وزير النقل.. انتبه الموانئ ترجع إلى الخلف


في كتب الجغرافيا يقولون إن موقع مصر إستراتيجي بالدرجة التي تجعله موقعا خلاقا، وقادرا على التعاطي الإنساني بدرجة مذهلة، وفي ذلك مؤلفات عظيمة للمفكر المصري جمال حمدان..في المدارس قالوا لنا ذلك، وفي كتب التاريخ صال الإنسان المصري قديما وحديثا ليجوب العالم منطلقا من عبقرية موقعه..الخريطة تقول ذلك والتاريخ يرسم ملامح هذا والعالم كله يشهد بهذه الحقائق، أما الواقع فإنه يكذب الحقائق.


لدينا من الموانئ البحرية ما يجعلنا أمة قادرة على قيادة تجارة العالم، أضف إلى ذلك هذا الممر الملاحى الإنسانى الذي قدمته مصر للإنسانية منذ قديم الزمان.. قناة السويس ذلك الشريان المغذي لكل الروابط الثقافية والتجارية والاقتصادية والسياسية.. هذا الموقع وتلك القناة، وذلك الوضع الذي جلب علينا الحروب والخراب والدمار، وأيضا الخير الكثير يتراجع الآن، بفعل الإنسان المصري المتراجع في كل شيء حتى كرة القدم.

لا أفهم أن ميناء واحدا في سنغافورة يحقق ما لم تحققه مصر كلها بزراعتها وصناعتها وتجارتها واقتصادها وسياستها..لا أعرف ونحن أمام وزير مقدام، جريء، صاحب قرار هو الدكتور سعد الجيوشى أن تظل موانئنا على هذا النحو من الخزى.. لا أستوعب أن كل موانئ مصر لا تحقق عُشر ما تحققه سلسة مطاعم تتاجر في أوراك الفراخ.. لا أفهم كيف تحقق كل موانئ مصر مجتمعة مليارا ومائتي مليون جنيه فقط لاغير.

والمصيبة الكبرى أن المليار مع الفكة المرافقة له هي جملة الجمارك والرسوم والكارتة والدمغة والجباية وكل صنوف الجمع المالي المخزى.. لا أعرف لماذا يصر الوزير على أن يظل صامتا أمام تلك الفضيحة المدوية؟!.. لا أعرف ما هو سر هذا السكوت..؟! لماذا لا يقيل كل مسئولى الموانئ أمام هذه اللحظة التاريخية التي نحياها تحت شعار لا بديل عنه، «فإما أن نكون أو لا نكون»؟.. ما الذي يجعل ميناء واحدا هو ميناء السخنة بهذا الانطلاق، بينما تحبو موانينا الأخرى في بحيرة الملاليم العطنة؟

لماذا يسكت سعد الجيوشي؟! ولماذا لا يعترف بأننا لا نملك من المقومات البشرية والخبرات الإنسانية ما يجعلنا قادرين على النهوض بهذا القطاع الحيوى؟! لماذا يرتعش وهو المعروف بجرأته في الحق؟! وهو المشهود له باقتحام الصعاب بعد أن قاد ولا يزال يقود حملة تطهير ضد الفساد وضد الكسل والتردد والخوف؟هل الموانئ البحرية خط أحمر لا يقوى على اقتحامه؟! أليست لدينا رؤية نستطيع من خلالها أن نعيد الدفة إلى مسارها الصحيح؟!

إن الرجل الذي اقتحم ملفات حيوية ومهمة، واستطاع من خلال تواصله مع خبرات مصرية أن يرسم ملامح المستقبل في قطاع النقل لا يزال عاجزا أمام التغيير المرجو في هذا القطاع.. لابد وأن يكون بنفس القدرة على اقتحام هذا الملف، وليبدأ بقصة واحدة.. نحن بحاجة إلى قصص نجاح صغيرة، وقصص النجاح تبدأ بالتغيير والقدرة عليه والانصياع لمتطلباته، وأول متطلبات التغيير هو التخلص من الوجوه التي تحقق هذا التراجع المخزى.

إنني على ثقة أن تحركا إيجابيا في هذا الملف ربما يقود بلادنا إلى مجدها التليد، فالموقع هو الموقع، والتجارة هي التجارة.. فقط ليس علينا إلا أن نبحث في ملف الخبرات ونستقدمها أينما كان مكانها، فالعالم أصبح قرية صغيرة، والعلم والخبرة والإدارة كلها ملفات لا يجب أن تظل غائبة عنا، تحت وطأة الفساد الذي ينخر في عظام البلاد دون رحمة.. ويكفي أن أذكر السيد الوزير بواقعة الموظف الصغير بأحد الموانئ الذي اشترك في "جمعية" بين أقرانه الموظفين بألف جنيه يوميا.. نعم يوميا.. أمثال هذا الموظف كُثر وأرباحهم هي ذاتها خسائر مصر.
الجريدة الرسمية