رئيس التحرير
عصام كامل

يالفيديو والصور.. قيثارة الشرق «الربابة».. أساس الكمان تتحدى الاندثار في أسيوط.. عماد الديروطي: «تركت دراستي سعيا وراء عشقي لآلة الصعيد الموسيقية».. و«أتمنى اهتمام قصور الثقاف

فيتو


 الفنون الفلكورية مرأة تعكس ثقافات وتراث الشعوب، وتمثل تقاليدها، وتشكل أساليب الإبداع لديها، «وأنا على الربابة بغني» لم تكن مجرد جملة في مطلع الأغنية الوطنية الشهيرة للعملاقة وردة، وإنما استخدم لفظ الربابة لما يجده المصريون في آلتهم الشعبية التي تزيد حالات الشجن عمقًا، وتأخد مستمعيها لحالة من الحزن لا يخلو من متعة عظيمة، فالربابة، أو كما يطلقون عليها في بعض البلدان العربية «قيثارة الحزن»، هي آلة وترية شرقية ارتبط اسمها بالبدو والرحالة والصعيد.

 

الربابة الشرقية أساس آلة الكمان الغربية

يقول محمد إبراهيم، مدير قصر ثقافة القوصية، إن آلة الربابة تعد من أقدم الفنون الفلكورية التي تمثل التراث القديم، والتي يرجع تاريخها إلى القدماء المصريين، وتناقلتها من بعدهم شعوب العالم العربي كتراث شرقي أصيل، وامتدت إلى الدول الأوربية والغربية، وأثارت فضولهم بسبب وترها الوحيد الذي يعزف أنغامًا كثيرة كما يحلو لعازفها، فطوروها بدورهم إلى آلة الكمان الشهيرة، فالربابة كانت، ولا تزال، آلة الشجن التي استعملها المداحون بكثرة، ورواة السيرة في ليالي السمر، خاصة في صعيد مصر، وكانت السمة الأساسية في مجالس الشيوخ، وحتى إنهم أطلقوا عليها «قيثارة الشرق»، فهي عادة ما تصنع من الأدوات البسيطة المتوفرة لدى أبناء البادية كالخشب وشعر الخيل.

 

وأكد إبراهيم أنه رغم اندثار ممارسة العزف على تلك الآلة، فإنه يوجد بعض الفنانين الذين ما زالوا يتحدون التطور الموسيقى بالعزف على الربابة، مما جعلها تحارب الاندثار بقوة علاقتها بصاحبها المتمسك بها كأنها جزء لا يتجزأ من حياته، فاعتمدت على توريثها من جيل لآخر لما تمد به صاحبها من نغمات وألحان، تُغنيه عن كورال أو تخت بالكامل، فوترها الواحد يصدر عشرات النغمات.

 

علاقة ابن القرية في صعيد مصر بهذه الآلة الوترية وثيقة جدًا، وفي إحدى الليالي بمحافظة أسيوط بإحدى قرى القوصية، وعلى نغمات الربابة، وسط تجمع المئات من الأهالي للاستماع للسيرة الهلالية، جلس الطفل «عماد»، ونشأ عاشقًا لحكايات الربابة، حتى صار متعلقًا بألحانها التي جلس بعدها وحيدًا يتذكرها حتى حانت الفرصة له للخروج مع والده الذي كان يعمل في فرقة فنون شعبية لأحياء الأفراح للذهاب معه ومراقبة عازفي الربابة.

 

وكانت تلك بداية تعلق عماد فوزي، أو عماد الديروطي، 30 عامًا، من قرية دشلوط التابعة لمركز ديروط بأسيوط؛ بالربابة، حتى أصبح حب الربابة وعشقها الذي سكن عقله وفؤاده هو شغله الشاغل، حتى إنها جعلته يترك دراسته في المرحلة الابتدائية ويتفرغ لها.

 

يقول عماد: «بقدر ما ندمت على ترك التعليم في الصغر، إلا أني سعيد بتعليم الربابة التي تشاركني أفراحي وأحزاني، وهي سبب جلب الرزق لي بعد أن أتقنت فنون استخدامها في الصغر حتى ذهبت للتدريب في قصر الثقافة بمركز القوصية وبعدها إلى ملوي، وتم اكتشاف موهبتي على يد جمال مسعد مدير فرقة الفنان مدحت فوزي، وعملت فنانًا عازفًا في الأفراح، وفي بداية الأمر فاجئني أحد الحضور بطلب عزف مقطع للسيدة أم كلثوم، وعزفت المقطع الذي نال إعجاب كل الحضور».

 

وأضاف: «بدأت في تطوير نفسي داخل المنزل من خلال سماع الألحان وتطبيقها، والذهاب إلى قصور الثقافة، حتى إني كنت أعزف دون مدرب، وعندما تم تكوين فرقة بقصور الثقافة تدربت معهم حتى اختلفنا وتركتهم وذهبت مع فرقة جميل مسعد، وتمكنا من الذهاب إلى حفلات بجميع المحافظات ومنها الإسكندرية والإسماعيلية ومعظم مناطق الصعيد».


 تكوين الربابة وطريقة العزف عليها 

 أما عن تكوين الربابة، يقول الديروطي إنها تتكون من قوس خيزران يُصنع في الغالب من عود الرمان أو الخيزران لمرونته، ويُشَد عليه وتر أو شعر خيل، بالإضافة إلى خشب زان مع خيط كتان وجوزة هند مع خشب أبيض وعصا طويلة هي عنق الربابة التي يُركَّب عليها الوتر الوحيد، ومُثبت أسفلها "طارة" الربابة وسيخ من الحديد، ويجب على العازف أن يأخذ جلسته الطبيعية (متربعًا) مع التأكيد على أن يكون مؤديًا تعلق قلبه بحب نغماتها، ماهرًا في العزف، ويمتلك ذاكرة قوية وحسًّا مرهفًا ليقدم طربًا جميلًا خالصًا». 


 وأشار عماد إلى أن الربابة هي معشوقته الأولى والأخيرة، معتبرًا إياها الآلة الموسيقية الأقرب إلى الصعيد، ولديها جمهورها الخاص وخاصة مع عشق الكبار من أهالي الصعيد للسيرة الهلالية التي كانت تُلحن على الربابة، فهى لا تزال موجودة في جميع الأذهان حتى الآن، مناشدًا القائمين على قصور الثقافة بضرورة الاهتمام بعازفي الآلة وتعليمها للصغار خوفًا عليها من الاندثار.

الجريدة الرسمية