رئيس التحرير
عصام كامل

خذوا حريتي.. وامنحنوني دولة قانون


كل مظاهر الفوضى الحياتية والانفلات السلوكى التي نراها كل يوم، سببها أن الغالبية أمنت العقوبة فأساءت الأدب، وصارت الحرية الآن في قناعات كثير من المصريين، ليست سوى فوضى مجتمعية أفرزها غياب القانون أو تغييبه عمدًا من جانب المعنيين بتنفيذه، ولن يرتدع الفوضويون طالما أن "دية" كل جريمة يرتكبها المواطن أصبحت معلومة للجميع.. وهى "الرشوة".


لدينا قانون يقضى بغلق شركات الصرافة التي تخلق سوقًا موازية للسوق الرسمية، وانهار الجنيه أمام الدولار والعملات العربية والأجنبية الأخرى ووصل إلى 9 جنيهات، ومازالت فروعها منتشرة دون رادع أو عقاب، ودون أن تغلق شركة واحدة.

في الإمارات مثلا، الدرهم ثابت ومستقر منذ عشرات السنين ولا يجرؤ أحد على تحريك سعره ولو فلس واحد أمام الدولار؛ لأنها دولة يطبق فيها القانون بصرامة وبلا تهاون على المواطن والوافد، وعلى الصغير والكبير.

لدينا قانون يحرم من يبنى شقة أو عمارة مخالفة من الكهرباء والمياه، ورغم ذلك ينعم ملاك وسكان كل الشقق والعمارات المخالفة للقانون في كل أنحاء مصر بالكهرباء والمياه، وأصبحت العمارات والأدوار المخالفة تعلو وترتفع تحت إشراف وضمان مسئولى المحليات المعنيين بإزالتها؛ لأن هؤلاء الفسدة أصبح شعارهم "ليه تمنع جريمة طالما بإمكانك أن تتقاضى رشوة وتتستر عليها وتأمن العقاب".

لدينا قانون يحظر سير الشاحنات داخل المدن وآخر يمنع سيرها على الطرق السريعة والبطيئة أقصى اليسار، وثالث يقصر سيرها دون الثانية عشرة ليلًا والسادسة صباحًا، لكنها تتبختر أقصى اليسار طوال 24 ساعة وتصيب السيولة المرورية بالشلل.

لدينا قانون يفرض غرامة ألف جنيه على السير عكس الاتجاه، بينما في كل لحظة يسير سائقو الدراجات البخارية والملاكى والأجرة عكس الاتجاه دون خوف لأنهم يعلمون أن العقوبة ليس لها وجود سوى في خيال من فرضها، ويعلم أيضًا أنه في حالة ظهور الشرطة فإن الموضوع سينتهى بعبارة "معلشى".

لدينا قانون يحظر قيادة الأطفال للمركبات، ومع ذلك امتلأ البلد واختنقت بملايين التكاتك التي يقودها أطفال دون سن الثامنة، وفاقت التكاتك في عددها البشر والحجر وصارت كالصراصير المتحركة دون رادع.

من يذهب إلى أي مصلحة حكومية، سيسمع عبارات تثبت باليقين أن الرشوة لم تعد فقط مجرد سلوك يومي، بل أصبحت "نمط حياة"، يطلبها الموظفون بأفواههم علانية وبلا خجل، بل إن بعض الجهات جعلت منها "إتاوة" إجبارية تدخل ضمن رسومها الرسمية في غيبة الدولة.

حتى عندما تصدر الدولة قرارات أو قوانين لإيقاف الفوضى وتحقيق الردع والضبط والربط تتراجع عنها، إرضاء لأنصار مسيرة هنا وتظاهرة هناك.

في مصر الآن أصبحت جرائم كثيرة ترتكب تحت مسمى الحرية، حتى منازلنا التي نستجير بها من الفوضى، تؤذينا الفوضى ونحن بداخلها، فالطفل الذي يبيع أنابيب البوتاجاز في السابعة صباحًا يعتبر أن دوى الفرقعة الرهيب الذي يحدثه في هذا الوقت المبكر مثلا نوع من الحرية، عمال البناء الذين يبدءون عملهم في الفجر، يعتبرون أن الإزعاج الذي يسببونه للسكان هو حق لا يجوز لأحد أن يصادره منهم أو يناقشهم فيه، أصحاب مواكب الزفاف التي تأتى مصحوبة بزفة كلاكسات ومفرقعات نارية الساعة الثانية ليلا ليصيبوا النائمين بالفزع، يعتبرون أن ما يفعلونه أيضا حرية شخصية.

وأخيرًا.. ما قيـمة أن يكون لدينا أحزاب تعبر عن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وما جدوى أن يحصل المواطن على صك التظاهر ليفرغ ما بداخله على طريقة البالونة، في ظل فوضى استشرت في كل شبر من أرض مصر، بحيث يستطيع أي شخص أن يؤذى الآخرين دون أن يجد قانونًا يردعه.
الجريدة الرسمية