رئيس التحرير
عصام كامل

الثعلب الطيب.. والأرنب المُستَبِد !


ذات يوم فوجئ طلاب الغابة بـ"الأرنب" وقد وضع فرضية علمية غريبة لأطروحته البحثية.. مفادها "إمكانية أن تأكل الأرانب الثعالب" وأخبر الأرنب الجميع بإصراره على إثبات صحة فرضيته.. وحينما سمع الثعالب الخبر؛ استاء كبيرهم.. وطالب الأرنب بأن يقدم نموذجًا عمليًا يدلل به على منطق فرضيته.. فدعاه الأرنب لمناقشة مطولة في بيته المتواضع.. فرحب الثعلب على الفور؛ ممنيًا نفسه بوجبة شهية في حظيرة الأرانب..!


وفى غضون دقائق معدودة، خرج الأرنب وفروته ملطخة بـ"دماء" الثعلب ويحمل بين أنيابه "الناعمة" فروته..! فاشتاط الثعالب غضبًا، وتساءلوا في دهشة: كيف لأرنب "ناعم" يجرؤ على أكل ثعلب "ماكر"؛ مما دفع أحدها إلى مهاجمة جحر الأرانب؛ ليثبت للغابة خطأ فرضيته.. وبعد دقائق لم تتعد أصابع اليد الواحدة.. خرج الأرنب يتلمظ ويلقى بنصف الثعلب "المتهور" في وجه أصحابه! ثم نظر إليها بتهكم وسخرية وقال: ثعلبان في ساعة واحدة.. يا لا الهول.. قلبى الضعيف لا يحتمل..!

الأمر الذي أصاب الثعالب بالخوف والهلع.. فطالبوا "الثعبان" بالوساطة مع الأرنب.. فأبدى الثعبان استعداده وأكدللأرنب عدم اقتناعه بفرضيته البحثية وعليه أن يسارع بتغييرها؛ حفاظًا على قانون الغابة واستقرارها.. فأجابه الأرنب ضاحكا: أنت غير مقتنع.. وأنا أيضًا! لكنها إرادة "المشرف" الذي لا يرغب في الحيد عنها!

فطلب الثعبان من الأرنب مقابلة "أستاذه" المشرف لمحاولة إقناعه بغياب المنطق في الفرضية.. فرحب الأرنب بالفكرة قائلًا: حسنا.. هو الآن ببيتى.. يمكنك مقابلته على الفور.. وما أن دخل الثعبان بيت الأرنب.. إذا بـ"الأسد" يجلس على مائدة الأرنب.. ليلقى في وجه الغابة بحقيقة ترقى إلى أن تكون مسلمة.. مفاده ليس بالضرورة أن تلمك جدارة الفكرة ولا قوة القدرة على تحقيقها.. المهم أن يكون من خلفك أسد مقتنع بها..!

وأنه إذا كنت تعيش في مجتمع مستبد.. فلا حاجة لك كمواطن إلى التفكير.. ولا حاجة للتنفيذيين إلى الاقتناع بما يفعلون.. يكفى فقط أن يكون النظام مقتنعًا.. فإذا كان حاكمك "أسدًا" فكل فرضياتك مقبولة.. ما دامت تخدم نظامه وتمكنه من السلطة.. حتى وإن خالفت صحيح العقل والدين!

وليس في الغابة وحدها تنفذ "الأرانب" سيناريوهات لم يشاركوا في إعداها.. ففى بلداننا العربية الفقيرة نماذج صارخة.. تثبت أن حكامنا "أسود" وأن القائمين على مؤسسات الدولة "أرانب" لا يفهمون طبيعة أعمالهم، ولا يدركون حقيقة البرامج التي كُلِفوا بتنفيذها.. وأن "التنمية" التي يتشدقون بها، ليست سوى أطروحات وضعتها أنظمة مستبدة أو جاهلة.. آمن بها مسئولون أغبياء؛ ليس لقناعتهم بها؛ وإنما للمحافظة على مقاعدهم المزيفة !

وفى مصر قام الشعب بثورتين، تصور في كليهما أن تغيير النظام هو الحل.. وأن النظام متجسد في شخص واحد أو جماعة واحدة.. وحقيقة الأمر أن المشكلة ليست في الشخص الحاكم، وإنما في النظام الذي تدار به البلاد.. والذي يجعل الحاكم دائمًا أسدًا.. فإذا كانت الثورات العربية قد أطاحت بحكام مفسدين.. فإن الواقع يشهد أنها فشلت جميعها في الإطاحة بالأنظمة المستبدة !

والتنمية في مصر لا تزال "متخلفة" يجرها قطار تقوده "أرانب".. حكومات تركب نفس القطار، المتجسد في "سياسات" بالية.. عجزت عن فهم حقيقة التنمية وآليات تحقيقها.. فأصبحت مصر دولة تقوم التنمية فيها على الاقتراض والاستدانة.. فتقوم الدولة بالاقتراض من الخارج لتقرض بالداخل.. وتتحول الدولة من مسئول أول عن التنمية إلى "وسيط" تقترض أموالا من الخارج؛ لتقرضها لمواطنيها بـ "فائدة" أعلى بالداخل.. وتصبح معضلة التنمية في مصر تكمن في إمكانية تحرير الدولة من استراتيجية "الدائن المدين" !

ونظرًا لعدم استغلال الدولة للأموال المقترضة في مشروعات إنتاجية، وأن معظم هذه الأموال سُخِرَّت في مشروعات خدمية.. وأن ما استقطع منها من "مكافآت" يفوق بكثير ما وصل إلى مستحقيه؛ لم تتمكن الدولة من سداد "فوائد" القروض، ولا حتى "الأصول"، فضلا عن تعثر المواطنين في السداد؛ لأن معظم قروضهم لم توجه أيضًا إلى مشروعات إنتاجية ! ومن ثم فقد باتت مصر مرهونة بقوة لضَّيم "الاستدانة"؛ لدرجة جعلت إسرائيل تسعى لشراء ديون مصر الخارجية؛ حتى تتحكم في قرارها السياسي.. وتصبح بطون المصريين مرهونة برحمة إسرائيل !

وحتى تتكمن الحكومة من "الاقتراض" فكان ضمانها الأهم لدى صندوق النقد الدولى هو تخفيف أعباء الحكومة في الانفاق على برامج الرعاية الاجتماعية، وذلك من خلال رفع الدعم على السلع، وارتفاع معدلات الأسعار! وهذا ما يدفعنا إلى السؤال: إلى متى تظل الشعوب تتحمل أخطاء حكوماتها الفاشلة.. ومن المستفيد؟! ومتى يعلم النظام في مصر أن التنمية "علم" يحتاج تطبيقه إلى دارسين ومتخصصين وليس هواة من المستشارين وأصحاب الحظوة ؟

والخلاصة أنه ما دامت هناك "أنظمة" تحتكر الفكرة.. وتعتقل الإبداع.. وتتوهم دائمًا أنها تمتلك الحقيقة المطلقة.. فلن تخلو مجتمعاتنا في كل العصور من ثعلب "طيب" وأرنب "مستبد" !
sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية
عاجل