رئيس التحرير
عصام كامل

بطانة السوء


لم ينجح حاكم على مر التاريخ إلا وكانت بطانته صالحة.. ولم يفشل حاكم إلا وكانت من حوله بطانة السوء.. ولشيخنا ومعلمنا الجليل محمد متولي الشعراوي تفسير رائع لسورة يوسف عندما رأى الملك سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف.. يقول الشعراوي إن الملك عندما رأى رؤياه وعرضها على ملئه لم يستطيعوا الإجابة وقالوا أضغاث أحلام وحكموا بأنهم لا علم لهم بتأويل هذه الأحلام.. وذلك هو صدق البطانة في ألا تخبر بشيء إلا إذا كانت على علم به.. ورأت أنه لا يضيرها أن تعلن جهلها بأمر لأن الذي يعلن جهله بأمر يكون قد دفع سائله إلى أن يسأل أحدًا غيره حتى يصل للحقيقة.. أما إذا أجابه بجواب خاطئ قد يجعله يكتفي بذلك ولا يسأل غيره ولذلك قال العلماء: "من قال لا أدري فقد أجاب" وهذا تشجيع لإفساح المجال للصدق والمشورة السليمة.


ولو أن بطانة الملك اتبعت أسلوب التطبيل والنفاق وأخبرته بأن أحلامه تعني تدفق الخير والنماء لضاعت مصر وهلك أهلها.. لكن البطانة الصالحة دفعت الحاكم إلى البحث عن إجابة حتى وصل إلى من لديه العلم بتأويل الأحلام وهو سيدنا يوسف الذي أخذ الملك برأيه ومنحه الصلاحيات في تدبير شئون الزراعة وتشوين الغلال حتى أن مصر تحولت إلى سلة غذاء للشعوب المجاورة طوال السنوات العجاف.

الملك في قصة سيدنا يوسف كان حريصًا على فتح قنوات اتصال أشبه بحوار مجتمعي بلغة العصر الحديث، وهو ما ساعده على اتخاذ القرار الصائب.. لم ينفرد بالقرار ولم يغلق وسائل التواصل مع شعبه.

والبطانة دائمًا انعكاس لشخصية وتكوين الحاكم.. وكثير من المصريين يعتقد خطأً أن مبارك مثلا كان جيدًا لكن من حوله هم بطانة فاسدة.. والحقيقة أنه وبطانته شيء واحد أشبه بوجهي العملة وامتداد لبعضهما البعض.. هم من اختياره.. وتفكيرهم مطابق لتفكيره.. وأسلوبهم جزء أصيل من طريقته في إدارة الدولة، فما أحوجنا إلى "ملك" سيدنا يوسف وبطانته.
الجريدة الرسمية