رئيس التحرير
عصام كامل

«أغسطس أسفار العبث» رواية تتنبأ بارتفاع سعر الدولار

أغسطس أسفار العبث
أغسطس أسفار العبث

تكمن قوة الأدب والكتابة في استشراف المستقبل، لأنه عادة ما يرى الكاتب بعينه ما لا يراه المواطن البسيط، الباحث عن الحياة الكريمة.

وعادة ما يكون الروائي معارضا شرسا ضد الأنظمة أي كانت توجهاتها، لأنه دائمًا يبحث عن الأفضل، ساعيًا إلى الكمال، ولا يوجد حدث ما يقع الآن إلا ووجد كاتب، كتب عنه في الماضي، وإذا أردنا أن نرى المستقبل علينا أن نبحث جيدًا في كتابات الحاضر.


فمثلًا نجد أن أول من رأى صعود التيار الديني المتشدد وسعيه الدائم للوصول إلى الحكم عن طريق دعوة التغير هو الكاتب والروائي عبد الحكيم قاسم حين كتب رواية "المهدي" في منفاه الاختياري في ألمانيا عام 1977 ونشرها للمرة الأولى مع دار التنوير عام 1982.

والمدهش في الأمر أنه استطاع من خلال مسرح الرواية، وهو قرية "محلة الجياد" أن يتنبأ بخطر صعود الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، ومحاولاتهم طيلة الوقت للوصول إلى السُلطة.

وهو ما حدث بالحرف الواحد عام 2013، بعد أن وصل تيار الإسلام السياسي إلى الحكم وبالفعل أصبح العنف أسلوب حياة منظمًا وموجهًا.

وعلى غرار عبد الحكيم قاسم الذي استشرف الحاضر قبل وقوعه بـ 30 عامًا، نجد رواية صدرت حديثًا بعنوان "أغسطس أسفار العبث" للروائي أسامة الشاذلي، نجدها تدور في القاهرة عام 2040، أي بعد ما يزيد عن 30 عاما أيضًا، وتدور في إطار فانتازي عبثي ساخر.
فمصر عام ٢٠٤٠ تسقط في سجن شهر أغسطس الذي يرفض الرحيل ويمتد لتسعة أسابيع كاملة، تغرقها الأمطار البولية وترتفع فيها الحرارة لدرجات غير إنسانية وتستقبل مواليد جدد بأربع خصيات للذكور ومرارتين للإناث.

بينما تحاول عصابة من المثقفين سرقة أحد مكاتب البريد عدة مرات، مصر التي يغلق مطارها ويصبح مخرجها الوحيد مشرحة زينهم في رواية يحج فيها الثوار في ميدان التحرير.

وما استشرافه أسامة الشاذلي في روايته هو الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، حيث سيكون في مصر عام 2040 سعر الصرف لـ 20 ألف دولار بـ مليون جنيه مصري، وهو ما نسير عليه من الآن، حيث وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 10 جنيهات يزيد عليه.

شخوص «أغسطس» هذا الشهر الذي يحوي في طياته 63 يوما كما أخبرتنا الرواية.. هي شخوص مهزومة وحزينة.. صبغ عليها الروائي ما يراه.. وما يشعر به، فخرجت حزينة مثله.. هي شخوص تريد أن تفعل شيئا جادا وسرعان ما يسخر منهم الراوي، فتصيبهم الخيبة.. هي علاقات غير مكتملة ومشوهة.. الشخوص التي ينتجها هذا الواقع العبثي لن تخرج سوية.. وهذا ما فهمه الكاتب مبكرا قبل الشروع في كتابة رواية «أسفار العبث».

الرواية السادسة للكاتب أسامة الشاذلي.. هي الرواية التي حاول بها الهروب من الواقع.. فتورط في الواقع أكثر.. حيل الرواية التي تخدعنا طول الوقت هي ما تجعلنا نكملها.. تبدو رواية ساخرة، لكن فور أن تنتهي منها تشعر أنك حزين لما حدث.

تبدو أنها رواية كلاسيكية، لكن عندما تنخرط فيها ستعرف أنها تنتمي لأدب التداعيات، وتشارك أنت في استكمال البناء.. تشعر أنها رواية تنتمي للواقعية السحرية، لكنك ستجدها رواية واقعية.. واقعية جدا.. هؤلاء الذين يخططون لسرقة مكتب البريد ويسرقونه 12 مرة دون أن يشتبه فيهم.. هذا حدث واقعي كما أخبرنا الكاتب.. لكن ما إن تحول لعمل أدبي، حتى أصبح خيالا.. وتستطيع أن تقرأه على أنه خيال صافي.. لو أخبرتك أن هناك سيارة صدمت طائرة ستكون الحكاية محض خيال.. لكن لو قرأتها في جريدة تعرف أنها حقيقية.

الواقع الأكثر عبثا يملأ صناديق الخيال.. هنا في الرواية تقرأ عن الأطفال الذين يولدون بأربع خصيات.. والفتيات بمرارتين.. وستقرأ عن الكاتب الذي قبض عليه في مقهى البستان بسبب ارتدائه ملابس داخلية حمراء.
الجريدة الرسمية