رئيس التحرير
عصام كامل

رحل «الترابي».. وتبقى أفكاره ألغاما قابلة للانفجار !


في هدوء تم الإعلان عن وفاة د.حسن الترابى (84سنة) الزعيم الروحى لكثير من الحركات الإسلامية في السودان وخارجها، والحقيقة سيظل الترابى حديث المحافل العالمية المهتمة بالعرب عامة والتيارات الإسلامية بشكل خاص، فالترابى كان أحد أهم الفاعلين من وجهة نظر الباحثين والدارسين للإسلام السياسي، والراحل د. حسن الترابى حياته وتاريخه بها صفحات وصفحات من المواقف المتباينة تصل إلى حد التناقض ليس فقط مع الآراء الشخصية له، بل أحيانا تتناقض مع أساس الدين الإسلامي الذي يعتبره الكثيريين أحد أقطاب المفكرين الإسلاميين.


من المواقف التي دائمًا يذكرها المحللون أن حسن الترابى كان وراء الانقلاب العسكري الذي جاء بعده البشير حاكما للسودان من نهاية الثمانينيات وحتى الآن، وهذا لا يمنع أنهما اختلفا بعد تعاون بينهما لأقصى درجة، حتى أن الكثير من الدوائر السياسية في العالم كانت ترى أن حسن الترابى هو الحاكم الفعلى للسودان، ولكن كانت القطيعة 1999 بينهما حتى رحل السبت الماضى.

كانت من أحلام الترابى بناء إمبراطورية إسلامية تبدأ من الجنوب السودانى وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وكذلك تنزانيا وموريتانيا، واستبعد مصر لصعوبة السيطرة عليها أو على الأقل حتى يتغير الحكم فيها مستقبلا، وطبيعى فشلت أحلامه لأنه راهن على دوائر لا علاقة لها بالجذور أو بالتنسيق مع الحكم في هذه الدول.

كان لى حظ للقاء في بيته عام 1993 وكان هناك وفدا مصريا بعيدا عن الحكومة التي كانت بينها وبين البشير مقاطعة، وقد دعا د.حسن الترابى الوفد المصرى على العشاء في بيته، وكان يشهد اللقاء من الجانب السودانى السيد على عثمان وكان النائب الأول للترابى كزعيم للجبهة الإسلامية -فيما بعد أصبح على عثمان نائبا للبشير- وحضر اللقاء أيضا د.غازى صلاح الدين واللواء محمد الفاتح، أما المصريون الأبرز كان أستاذنا الكاتب الكبير محمد عودة، وأستاذى الكاتب الكبير عادل حسين وغيرهما، للتذكرة في ذلك الوقت كانت حرب الجنوب على أشدها، وكل يوم كانت تسافر كتائب للجنوب ولا يعود منهم أحد، وكان هؤلاء شهداء كما كان يقول الترابى -تراجع عن هذا الوصف من عدة سنوات- في ظل حوار شديد الجدية قال الترابى إنه سيعرض على الجنوب عدم تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية عليهم في مقابل عدم الانفصال، وأشار إلى أن هذا يلقى قبولا وستتوقف الحرب الدائرة الآن..!

سرى في نفسى تساؤل: وكان الحرب والآلاف من القتلى والانفصال بسبب تطبيق الشريعة الإسلامية؟ أجابت نفسى يقينا مستحيل.. فالأمر أكبر من ذلك! سألت د.الترابى: لا يمكن أن يتم تطبيق القانون على شريعة دون الأخرى، إذا طبقت الشريعة فتطبق على المسلم وغير المسلم وإلا فلا تطبق؛ لأن المواطنة تمنع التفرقة في القوانين!

ضحك ضحكة مصطنعة وحاول أن يبرر، ولأن هذا يحقن الدماء!! وتعمد الأستاذ عادل حسين التدخل لمنعى من الاستمرار في المناقشة، ولكن كلامى لم يعجب أيضا أستاذنا الكاتب الكبير محمد عودة، وبعد انتهاء الزيارة عاتبنى على وجهة نظرى، ولكن كنت ومازلت أرى المواطنة تعنى التوحيد في الحقوق والواجبات دون أي تفرقة بين أي عناصر الأمة سواء بالدين أو اللون أو...إلخ.

والحقيقة أن الترابى كان شخصية مثيرة وله تأثير كبير فى كل من حوله، ولكن كانت آراؤه وفتاويه الغريبة منها ما سبق أن أعلنه تطبيق الشريعة على الشمال الإسلامي وإعفاء الجنوب المسيحى، الأسوأ تفسيرات لا تتطابق القواعد التي عرفها المسلمون، بينها إجازته إمامة المرأة للرجال في الصلاة، وإمكانية زواج المسلمة من كتابى.. إن شهادة المرأة مساوية للرجل مشككا في القول إن شهادتها تماثل نصف شهادة الرجل، وثار ضده أئمة المساجد في السودان..

واعتبر الأئمة وبينهم الأمين العام لجماعة أنصار السنة المحمدية وإمام المسجد الكبير بالخرطوم، تلك التصريحات طعنًا في أحاديث نبوية صحيحة وارتدادًا وخروجًا على الإسلام بما ينبغى قتل قائلها.. رحل حسن الترابى وأصبح بين يدى ربه، شاء أن يغفر له ويرحمه، ولكن يبقى تاريخه وأفكاره مثيرًا للاختلاف، ونسأل الله أن يجنبنا الفتن ويرحمه ويرحمنا!
الجريدة الرسمية