رئيس التحرير
عصام كامل

الكنيسة تريح التعابى وعناد الدراويش في حالة إنكار


الانتحار أو الجنون أو الانحراف أو الموت قهرًا أو الخروج من المسيحية كانت سبلًا لا بديل عنها أمام المعذبين من المسيحيين الذين تنهار فوق رءوسهم أسقف الطمأنينة في أسر فقدت السلام والحماية وأبسط عوامل قيام الحياة الزوجية.. بعد إلغاء العمل بلائحة 38 التي ظلت الكنيسة تعمل بها كمرجع للأحوال الشخصية منذ عام 1938.. وبعد أن ظهرت عدة حركات تنادى بعودة اللائحة مثل حركة "الحق في الحياة" التي ظهرت عام 2011 لتنأى بالانسلاخ عن أي طائفة ليتمكن المتضرر من الطلاق أمام المحاكم المدنية.. ثم حركة "أقباط 38" التي دخلت في معارك مع الكنيسة الأرثوذكسية أملا في حل مشكلاتهم العالقة في المحاكم؛ بسبب عدم وجود تشريع يسمح لهم بالزواج الثانى بعد التطليق.


كلها حالات إنسانية لا ننفي أن بعضها يقع في شرك الخداع للحصول على الطلاق دون توفر الشروط التي وضعتها الكنيسة.. لكن لا يمكن أن يكون الاستثناء هو القاعدة.. ولا يمكن أن يؤخذ المتعبون بذنب المحتالين.. لكن للأسف هذا هو ما تم عبر السنوات الفائتة.. الأمر الذي فجر مظالم كثيرين.. إلى أن نظرت الكنيسة في أمرهم أخيرًا وقررت تعدد أسباب الطلاق، بعد أن كان السبب الوحيد للطلاق هو علة الزنى.. وأضافت الكنيسة أيضًا سبب الهجر لخمس سنوات مستمرة ووافق المجمع المقدس بحضور 109 أساقفة على النصوص التي خرجت عنه منذ أيام.. وأعلن أنه لن ينعقد مرة ثانية للبت في هذا الموضوع.

لكن المرافقة أن البعض -ممن يمكننا إطلاق كلمة "دروايش" على أفكارهم- ظل متشددًا تجاه القرارات ودخل في حالة من الإنكار.. الأمر الذي دفع الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس للخروج في إحدى الفضائيات شارحا فحوى القرارات عارضا ما يسمى إزالة اللبس.. أي لبس هذا؟ حقا لا أعرف.. فاللبس كان هو الوضع المغلوط الذي استمر لسنوات يئن الناس تحت قرارات أقرها رهبان لم يخوضوا معاناة الحياة الزوجية حينما تتعثر وتستحيل بين زوجين كاد أحدهما أن يقتل الآخر ليتخلص منه أو فر هاربا إلى حيث لا رجعة وخلف أبناءً حصدهم التشرد والحرمان من الوالدين.

عودة الكنيسة للعمل بتعدد أسباب الطلاق لم يكن محل اختلاف من مستقبلى الخبر لكن ما اعتبره البعض صادما هو موضوع الزواج الثانى في رؤية قاصرة غير واعية بالاشتراطات التي وضعتها الكنيسة لذلك، وبالرغم من التوضيح الذي عرضه الأنبا رافائيل فإن البعض استمر في عناده.. وهو الأمر الذي أتمنى ألا يكون مؤثرا أو حافزا ضد بنود مشروع القانون أو قد يستخدم للضغط على النواب الأقباط في البرلمان حال تقدم الحكومة بالمشروع.. وهم مختلفو الثقافة في هذا الأمر.

ورغم أن الأنبا رافائيل قال ما نصه: "المحرك الوحيد لضمائرنا هو الالتزام بتعاليم الكتاب مع تخفيف آلام الناس ومعاناتهم".. وبدأ في فك طلاسم العودة للعمل بلائحة 38 بعيدًا عن ذكر ذلك صراحة أو ذكر البنود التفصيلية التي ستريح التعابى.. لكن اللافت أن حواره ركز على فكرة أن الكنيسة لم ترجع في قراراتها السابقة.. بالرغم من أن كل الشرح الذي قام به لقرارات المجمع المقدس يوضح جليا فحوى القرارات ومعظم الأقباط الأرثوذكس يوافقون بل يجلون هذه العودة ويعتبرونها عودة للحق.. لكن تركيز الأنبا رافائيل كان على نقطة وحيدة هي أنه لا زواج ثان في المسيحية والزواج بشروط ولا توجد جهة يمكن أن تجبر أي كاهن على عقد زواج كنسى أو صلاة إكليل.. وهو سؤال لم يتم طرحه أصلا.

الأمر الذي يكشف عن تخوفات لدى بعض قادة الكنيسة من انتشار أفكار مغلوطة في المجتمع حول إمكانية زواج ثان.. أو إثارة خلط الزواج الثانى بفكرة تعدد الزوجات.. وهو أمر غير وارد لأن النص واضح جدا في هذا الأمر وهو أن الكنيسة سوف تدرس كل حالة منفردة وتقضى بالزواج الثانى بعد الطلاق المدنى طبقًا لظروف وملابسات كل حالة.. وجاءت النصوص المرتبطة بالزواج الثانى في مشروع القانون تحت عنوان.. الفصل الرابع "إصدار تصريح الزواج الثانى":

ضمت المواد من المادة 89 إلى 103 الآتى: أن إصدار التصريح بالزواج الثانى من اختصاص المجلس الإكليريكى كسلطة روحية ممنوحة له دون سلطة القضاء أو التشريع، وعند الحصول على حكم نهائى بالطلاق المدنى يجب على أي من الزوجين، الذي صدر حكم الطلاق لمصلحته تقديم صورة رسمية من الحكم للمجلس الإكليريكى، ويجوز لأى الزوجين التقدم للمجلس الإكليريكى بطلب الحصول على التصريح بالزواج الثانى قبل أو خلال أو بعد الإجراءات المدنية، وتقدم عريضة الدعوى من طالب التصريح إلى المجلس الإكليريكى التابع له.

وإذا تعذر حصول الطالب بنفسه ينتقل الرئيس أو من ينتدبه من الأعضاء إلى محله وبعد أن يسمع الرئيس أو العضو المنتدب أقوال طالب التصريح يعطيه ما يقتضيه الحال من النصائح فإن لم يقبلها يحدد للزوجين ميعادا لا يقل عن ثمانية أيام كاملة للحضور أمامه بنفسيهما في مقر المجلس فإذا تعذر لأحدهما الحضور أمامه يعين لهما المكان الذي يستطيعان الحضور فيه لاستماع أقوال الزوجين، ويسعى في الصلح بينهما فإن لم ينجح في مسعاه يأمر بإحالة الدعوى إلى المجلس ويحدد لهما ميعادًا لا يتجاوز شهرا.

وتابعت نصوص المواد، يبدأ المجلس قبل النظر في موضوع التعدى بعرض الصلح على الزوجين فإن لم يقبلاه ينظر في الترخيص لطالب التصريح بأن يقيم بصفة مؤقتة أثناء رفع الدعوى بمعزل عن الزوج الآخر مع تعيين المكان الذي تقيم فيه الزوجة إذا كانت هي طالبة التصريح، ولا يؤخذ بإقرار المدعى عليه من الزوجين بما هو منسوب إليه ما لم يكن مؤيدا بالقرائن أو شهادة الشهود ولا تعتبر القرابة أو أي صلة أخرى مانعة من الشهادة غير أنه لا يسوغ سماع شهادة أولاد الزوجين أو أولاد أولادهما، ولا يقبل طلب التصريح إذا حصل صلح بين الزوجين سواء بعد حدوث الوقائع المدعاة في الطلب أو بعد تقديم هذا الطلب ومع ذلك يجوز للطالب أن يرفع دعوى أخرى لسبب طرأ أو اكتشف بعد الصلح وله أن يستند إلى الأسباب القديمة في تأييد دعواه الجديدة، ويجوز الطعن في الأحكام الصادرة في طلبات التصريح بالطرق والأوضاع المقررة لغيرها من الدعاوى، ولكن تقبل المعارضة في الحكم الغيابى في ظرف 15 يوما من تاريخ إعلانه، وينظر المجلس الإكليريكى طلبات التصريح في مدة لا تزيد على 12 شهرا من تاريخ تقديم الدعوى..

وفى حال انقضائها جاز للطالب التظلم للرئيس الدينى فيتخذ ما يلزم.. وبعد الانتهاء من طلب من إجراءات نظر الدعوى واطمئنان المجلس الإكليريكى بأسباب الطالب يصدر المجلس تصريحا بالزواج الثانى مصدقا من رئيس المجلس الإكليريكى، موضحا فيه حيثياته في ثلاث صور، ويعطى صورة رسمية من التصريح لمرة واحدة وفى حال فقدانه أو تلفه يجوز طلب إصدار صورة رسمية أخرى بعد إثبات عدم وقوع زواج خلال تلك الفترة".

بعد استعراض بعض النصوص نجد أنها اعتمدت على وجود قرائن واشتراطات لتنظيم الزواج الثانى بعد الطلاق المدنى، وهو أمر طبيعى في أي تنظيم قانونى.. لكن يبقى القرار واضحًا أن الكنيسة أقرت إمكانية الزواج الثانى لمن تقوم المحكمة بتطليقه وهو أمر يعد انتصارًا لروح النص الكتابى بدلا من التشبث بالحرف الذي كاد أن يدفع بكل المتضررين إلى الخروج من المسيحية للحصول على الحرية التي ظلت مكبلة مع شريك معوج.. مدمنا كان أو شاذا أو أصابه جنون أو ذهب ولم يعد.. وحالات لا مكان لحصرها هنا.. لذلك لا مكان للمعاندين.. وإلى أولئك الذين لا يشعرون بالمعذبين بل يوجهون لهم سهام اللوم والإدانة أقول:

"الكنيسة لم ترتعش يدها حينما سطرت تلك نصوص فلا تكونوا أقلام الظلم الموجهة لصوابها.. ولا تكونوا خنجرا في ظهور المتعبين".
الجريدة الرسمية