رئيس التحرير
عصام كامل

خبراء: التعليم فى دستور الإخوان.. "محلك سر".. ومحاولة للخصخصة.. وهروبًا من دور الدولة فى الرقى بالمعلم والمتعلم

ارشيفية
ارشيفية

يقول إينشتاين: "أجمل إحساس هو الغموض إنه مصدر الفن والعلوم"، بالطبع كان إينشتاين يقصد هنا الغموض الذى يواجه العقل الباحث عن الحقيقة والذى يحل عقدة عقدة أمام التجارب الإنسانية الفضولية الطابع، المبتكرة للحلول، والمؤمنة بالعلم مسارًا حقيقيًا لتقدم الشعوب.

ويخبرنا إينشتاين أيضًا أنه لا يمكننا حل مشكلة باستخدام العقلية نفسها التى أنشأتها.

فهل واضعو الدستور المصرى المثير للجدل بين الأوساط الثقافية والسياسية والعلمية وحتى الشعبية قادرين على البحث عن حلول لغموض العملية التعليمية وردائتها فى مصر التى تبحث لها عن موطئ قدم فى ركب العلم والحضارة بعد تاريخ حافل بقدماء أذهلوا العالم، أم أننا سنجد أنفسنا أمام عقول تحاول حل مشكلات كانت هى التى أنشأتها؟.

أثارت المواد الخاصة بالتعليم فى الدستور الإخوانى الجديد غضب الخبراء والمهتمين بالشأن التعليمي، وأعلن نشطاء المعلمين عن غضبهم من المسودة النهائية للدستور، رغم موافقة أعضاء الجمعية التأسيسية بالأغلبية على 6 مواد خاصة بالتعليم فى المسودة النهائية.

يؤكد الدكتور عزت عبدالرؤوف رئيس قسم التقويم التربوى بالمركز القومى للامتحانات والتقويم, أن أكبر خطايا الدستور المعلن هى عدم تحديد جزء من الدخل القومى مخصص للتعليم، ويصف المواد التعليمية بالعبارات العامة والمبهة، مؤكدًا أن التعليم أساس النهضة، وكان يجب النص عليه باعتباره مشروع الدولة الأول.

أما الدكتور مجدى قاسم رئيس الهيئة القومية للاعتماد وضمان جودة التعليم, فيرى أن التعليم لم يأخذ حقه فى مواد الدستور الحالى وأن ما جاء به لم يخرج عن كونه توصيفا للوضع القائم ليس أكثر، مشددًا على ضرورة النص على تخصيص نسبة من الدخل القومى تنفق على التعليم، بدلًا من تركها مبهمة.

وفى السياق يؤكد سالم الجنبيهى مدير التعليم الثانوى بإدارة الزيتون التعليمية, أن المواد المتعلقة بالتعليم فى المسودة النهائية للدستور لم تقدم شيئًا جديدَا لا للمعلمين ولا للعملية التعليمية بأسرها، معتبرًا أنها تؤسس لخصخصة التعليم، رغم ما أشارت إليه المادة المتعلقة بحفاظ الدولة على مجانية التعليم فى كل المراحل، مؤكدًا أن جمل المواد الخاصة بالتعليم فى الدستور الجديد إنشائية أكثر منها عملية، والدولة بدأت بالفعل فى خصخصة التعليم من خلال التوسع فى التجريبيات والتوسع فى التعليم الخاص البعيد عن رقابة الوزارة.

ويقول الجنبيهى إن المواد التى أعلنت لم تعط للتعليم شيئًا جديدًا لكنها قد تسحبه للخلف، ففيما يتعلق بالمادة الخاصة بإنشاء مجلس وطنى للتعليم هى بلا فائدة والأمر كله مجرد تغيير أسماء، والمجلس الوطنى ليس سوى بديلًا عن المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى - القائم بالفعل - وهو أحد المجالس القومية المتخصصة، التى يصر المسئولون عن الدولة إغفال ما تقوم به من أبحاث ودراسات، مؤكدًا أنه كان من الأفضل بدلًا من تغيير المسمى التوصية بالاستفادة بما انتجه المجلس القومى للتعليم فيما يتعلق بتطوير العملية التعليمية.

ويصف عبدالناصر إسماعيل منسق اتحاد المعلمين المصريين, مواد الدستور الخاصة بالتعليم فى المسودة النهائية للدستور التعليم بـ"مواد محلك سر"، معقبًا بأن عدم وجود نسبة محددة من الدخل القومى للإنفاق على التعليم يعنى أن تعليم الفقراء سيظل فى ذيل الاهتمامات.

ويؤكد إسماعيل رفض المعلمين لهذا الدستور الذى وصف مواده التعليمية بـ"المطاطية" خاصة فى المادة (58) التى لم تنص بشكل محدد على مسئولية الدولة فى تحديد نسبة معينة من الدخل القومى للإنفاق على التعليم، منتقدًا باقى المواد التى لم يرد فيها ذكر أن التعليم هو مشروع الوطن الأول الذى يجب أن تكفله الدولة كاملًا.

ويضيف أن النصوص الواردة فى الدستور تخدم توجهات حزب الحرية والعدالة التى تسعى إلى عدم تحميل الدولة مسئولية التعليم، ولذلك "ربطوا فى الدستور بين التعليم والإنتاج من أجل تحقيق سياسة خصخصة التعليم والابتعاد به من كونه حقًا إلى سلعة، هذا بجانب أن الدستور يمنح القطاع الخاص الحق فى تحويل التعليم إلى ما يخدم مصالحه، بما يفتح الباب للاستثمار فى التعليم كسلعة مربحة وليس كحق للمواطنين.

وعن المادة (59) يقول إسماعيل إن الدولة تخصص جزءً من ميزانيتها لدعم البحث العلمى حسب هذه المادة، إلا أنه لم يأت ذكر مماثل عن التعليم رغم أنه لا نهضة لأمة دون تعليم حقيقي، وأيضًا لم يرد ذكر للمعلم بالدستور، كما أن مواد الدستور لم تحدد أهداف التعليم من خلال الحفاظ على الهوية المصرية، ولم تحدد المستهدف من التعليم من خلال تنمية المجتمع ورفع قيمة الفرد فيه.

من جهته يؤكد الدكتور أحمد الحلوانى نقيب المعلمين, أن المواد المتفق عليها كان قد تقدم بها فى جلسات سابقة مع الجمعية، وأوضح فى بيان له أن أهمها المادة الخاصة بإنشاء مجلس وطنى للتعليم والبحث العلمى والتى تم إقرارها بموافقة الأغلبية، مؤكدًا أن هذا المجلس سيكون منوطاً به وضع الخطط الاستراتيجية الخاصة بالتعليم والبحث العلمى على مدى بعيد، وحتى 50عامًا قادمة، وأن أعضاءه سيختارون من وزراء التربية والتعليم، والتعليم العالي، والبحث العلمي.

"إن التعليم هو دليل رفعة الأمم ومؤشر على طبيعة وجودها فى الركب الحضارى للأمم"، وقديمًا أسست يوتوبيات الفلاسفة (المدن الفاضلة) على أساس أن النشئ ورقيه والاهتمام بتعليمه هو الركن الأساسى فى بناء المجتمعات والحضارات والأمم.

فهل تلحق مصر ركب التقدم والعودة إلى حضارة قد ننساها لولا أثارها؟

أم أننا ممن صدق عليهم مقولة: "لا يمكننا حل مشكلةٍ باستخدام العقلية نفسها التى أنشأتها".

رحم الله مصر..

الجريدة الرسمية