غضب الرئيس
بينما تحفظ البعض على ارتجال الرئيس لخطابه الأخير الأربعاء الماضى، بحجة أن الارتجال في الخطابات الرئاسية غالبًا يقود إلى أخطاء غير محسوبة، أشاد آخرون بهذا الأسلوب؛ لأنه يصل إلى القاعدة الأوسع من الجماهير الذين يتعاطفون مع طريقة الرئيس التلقائية في التواصل مع مواطنيه بلا تحفظات.
إلا أن الحقيقة التي لم يختلف حولها أحد من الذين استمعوا للخطاب، أن الرئيس كان غاضبًا، بعد أن فاض به الكيل نتيجة عدم التجاوب معه في إدراك حجم الأخطار الكبيرة التي تهدد كيان الوطن وتسعى إلى تمزيقه والعبث بوحدة المصريين، وهدم مؤسسات الدولة، علمًا بأن الرئيس لم يقصر منذ تولى الحكم من تحذير المصريين بأن الوطن مستهدف من قوى خارجية.. وقوى داخلية ولا سبيل إلى مواجهة تلك المؤامرات إلا بوحدة المصريين التي تنقذهم من المصير الذي لحق بدول عربية أخرى.
ومن الأسف أن هناك من يشكك في خطورة المؤامرات، رغم أنها واضحة للجميع.. ومن يرى أن حديث المؤامرات يخفى وراءه الهروب من تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع.
بينما يعدد الرئيس الإنجازات التي تحققت خلال الشهور التي تولى خلالها حكم مصر.. وأنها تتجاوز ما تم إنجازه خلال ٢٠ عامًا، وهي ظاهرة للعيان، وعندما يتم تجاهلها من جانب البعض فمن حق الرئيس أن يغضب.
الرئيس عبر عن غضبه في خطابه الأخير من الحكومة التي يتسم أداؤها بالبطء الشديد، بما لا يتناسب مع سياسة الرئيس التي تهدف إلى الانطلاق نحو المستقبل، والتغلب على الميراث الثقيل الذي ورثه عن سابقيه.. سواء من تدهور البنية الأساسية أو انهيار التعليم وتخلف المؤسسات الصحية وزيادة نسبة البطالة، وغياب الكفاءات، والفساد المستشرى في البلاد.
كل تلك المشكلات كانت تتطلب حركة واسعة من الحكومة لمواجهتها، حتى يشعر الناس بالتغيير الذي حدث واستوجب أن يلومها الرئيس، وعلى سبيل المثال فقد وجه الحكومة منذ عام ونصف العام بإقامة مناطق صناعية تستوعب آلاف الشباب على امتداد المحافظات.. وأشار الرئيس في خطابه إلى أن تلك المناطق كان يمكن أن تكون جاهزة الآن للعمل لو أن الحكومة سارعت بالتنفيذ.
ولم يخف الرئيس اعتراضه على الأساليب التي يتبعها بعض أفراد الداخلية في التعامل مع المواطنين.. ووجه حديثه إلى وزير الداخلية قائلًا: مش هينفع نهين المصريين، واللي غلط لازم يتحاسب.. ولاشك أن التجاوزات التي ارتكبها بعض أفراد جهاز الداخلية.. قدمت أبلغ إساءة للحكم، وأدت إلى الاعتقاد بأن الدولة تكيل بمكيالين، فبينما تتغافل عن تجاوزات الشرطة.. تعاقب بالسجن الشباب الذين يشاركون في تظاهرات سلمية.
ولم تتوقف أخطاء الوزراء عند هذا الحد، فقد صرح أحد الوزراء بأن الدولة ستقوم بتعويم الجنيه، مما أدى إلى اشتعال سعر الدولار في السوق السوداء.. وأثر سلبًا فى الاقتصاد.
وربما يكون من الأسباب التي أدت إلى غضب الرئيس، أنه راهن على مجلس النواب في أن يشاركه المسئولية، وأن يرتفع نواب الشعب إلى مستوى المخاطر التي تواجه الوطن، خاصة أن هؤلاء النواب جاءوا عن طريق انتخابات حرة نزيهة دون تزوير، وهو ما لم يحدث إلا مرات معدودة في تاريخ مصر، ولكن ما جرى خلال الجلسات السابقة لا يطمئن المواطنين على أن المجلس سيؤدى دوره على الوجه الأكمل، فسرعان ما نشبت الخلافات بين النواب..
وبدا واضحًا أن المصالح الفئوية والشخصية تغلب على المصلحة الوطنية، كما اتضح في رفض المجلس قانون الخدمة المدنية الذي أقره الرئيس باعتباره المخلص من تخلف الإدارة المصرية، وكان رفض المجلس صادمًا للرئاسة والحكومة، ما دفع الرئيس إلى أن يذكر في خطابه أنه يجب الحفاظ على المجلس، وطالب النواب بأن يتوجهوا إلى المحافظات الحدودية سيناء والبحر الأحمر ومطروح وجنوب الصعيد، ليدرسوا المشكلات على الطبيعة ويسهموا في إصدار القوانين التي تستجيب لتطلعات المواطنين في هذه المدن، الذين يعجزون عن توصيل مطالبهم لأجهزة الدولة، وكان من المفترض أن تجد مناشدة الرئيس استجابة سريعة من نواب الشعب، بدلا من المهازل التي حدثت سواء بإهانة أحد الأعضاء لرئيس المجلس أو دعوته السفير الإسرائيلي لزيارته في بيته.