رئيس التحرير
عصام كامل

بغداد مدينة الثقافة العربية بين ازدهار الماضي وألم الواقع

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

رغم الآثار المدمرة للحروب والأزمات السياسية التي شهدتها بغداد مؤخرًا فإن اليونسكو اختارت هذه المدينة العام الماضي كمدينة رائدة عالميًا في صناعة الأدب.


فبغداد إحدى عواصم الثقافة والأدب في الوطن العربي اشتهرت على مر العصور الإسلامية بالحياة الثقافية والأدبية واشتهرت بالشوارع والأسواق التي كانت تباع فيها الكتب ومن بينها شارع المتنبي الذي يعد أحد معالمها وكانت المدينة مزارا لأهم الكتاب والمفكرين العرب والأجانب، ومكانًا للمكتبات العريقة " كالمكتبة الوطنية "ومركزًا للحياة الثقافية.

وشهدت تلك المدينة إنشاء أول مؤسسة حقيقة في حركة الاعتزال العقلي وأول حركة للاحتجاج السياسي، برز فيها "ابن المقفع" باعتباره مؤسس علم الأخلاق السياسي، "أبو نواس" صاحب أول تحول خطير في العقلية الشعرية العربية.

وكان الكثير من الشعراء العرب وعلماء النحو وعلماء العلوم الطبيعية يتجهون إلى بغداد باعتبارها الحاضرة الأساسية والرئيسية للبروز والتألق نظرًا لوجود مدارس ثقافية للتنافس في هذه العلوم المختلفة.

الحياة الثقافية في العراق مزدهرة منذ العصر العباسي وازدهر هذا العصر لوجود عدد كبير من رواد الفكر واللغة والثقافة، حيث شهدت في عصر المأمون أول مدرسة للترجمة وأطلق عليها " بيت الحكمة "، واستمر هذا الازدهار أيضا في القرن العشرين مع تطور حركة الطباعة والترجمة.

وانتشر ما يسمى بالمقاهي الثقافية التي نظمت نقاشات أدبية ونقدية، كما انتشرت المؤسسات الثقافية ودور النشر بشكل كبير، أرجع البعض هذا التطور الثقافي بسبب الاستقرار السياسي للدولة والذي يجعل بغداد كعبة للأدب والثقافة العربية آنذاك.

وتشهد بغداد الآن تراجعًا ملحوظًا في الحياة الثقافية وتدنيا في الأنشطة والتنظيمات ونتيجة لذلك سحب البساط من بغداد التي كانت منارة للأدب فحين انهارت الدولة انهارت معها الثقافة وانهارت معها كل فنونها.

فعلى سبيل المثال هناك تخبط كبير في حركة النشر بشكل ملحوظ لدرجة أنه في حالة البحث عن كتاب صدر محليًا تجد صعوبة في ذلك وتأخر رهيب في حركة الترجمة ما جعل العراق تأتي في مؤخرة ترتيب الدول العربية على المستوى الثقافي وأصبحت وزارة الثقافة تنخرط في الصراعات الطائفية التي تحدث في الدولة وأبعدت عن كونها ممثلة للشعب العراقي ككل.

وظل هناك إهدار تام للمال العام من خلال تنظيم فعاليات ثقافية بشكل غير مدروس وعدم التفات الدولة إلى الحقل الثقافي، حتى أن عملية تصدير واستيراد الكتب لا زالت تخضع لقوانين وتشريعات منافية لحرية الفكر وظل يعاني العديد من المثقفين والكتاب من فرض القيود عليهم أو إيداعهم السجون إلى أن وصل عدد المثقفين خارج العراق إلى 5 آلاف كاتب ومثقف هربا من القمع الفكري الممارس ضدهم.

وزاد الأمر صعوبة بعد تعرض الآلاف من الكتب التاريخية والأثرية التي تتناول الفلسفة وعلم الاجتماع والدين والتاريخ والعلوم، إضافة إلى عدد من المجلات العلمية المتخصصة في تقنيات وبرامج الكمبيوتر لعمليات مستمرة من الحرق والتدمير من قبل جماعة " داعش " الإرهابية.
الجريدة الرسمية