رئيس التحرير
عصام كامل

البرلمان ناصري.. وعبد الناصر شارك في طرد عكاشة !


كما خرج من جوف ٢٥ يناير ٢٠١١، ناس شرفاء بنوايا طيبة، خرج من الجوف المظلم أيضًا ناس عملاء.

أما الفرز الطافح حاليا، فهو صنف المسخ السياسي، يتصدر المشهد السياسي والإعلامي، وهو أعلى صوتا، وأدعى إلى الفكاهة، يعمل حركات بوجهه، ويعمل "شقلباظ" بعقله، يعمل من سبابته سيفًا ومن كوعه درعًا، وهو في أدائه السيركي هذا، لا يرتدي زي المهرج أو المسخوط، أو الممسوخ، بل على العكس، هو في حلة نسجت من الأضواء، باهظة الثمن، ورابطة عنق فاقع لونها، دليل سماجة الذوق والفكر، وهو لديه الجرأة على الفتوى السياسية والعسكرية والأمنية، ويقفز إلى منصب وزير الخارجية ويطيح به ويتكلم عن مصالح مصر، ويثرثر، ولم لا.. إنها الفوضى، وهو ابن الفوضى !


ليس وحده ابن الفوضى، هناك البلطجي والصايع، وحامل خراطيم البنزين، يفتحها في لذة عارمة، على مستصغر الشرر، حتى إذا اشتعلت وولعت وعلا وهجها، أي أزمة، أي مشكلة، مضي يرقص رقصة بلوغ المتعة أقصاها.. لقد استوفى فما استوفى، فبعد حين وامض، سيمضغه جوع نفسي مستبد آخر، يقفز به من جديد في تمام العاشرة، إلى مخزن البنزين، يشد له خرطومين أو ثلاثة !

العاهات النفسية والعقلية وشهوة التأجيج تحت دعوى التأثير، حاضرة، ومحركة، وتحظى بالسخط الشعبي، والعجز الرسمي معًا، غير أن مضخة التمويل على مدى البصر، ترمي في الجيوب والبنوك دفقات تلو دفقات !

في بضع سنين، حقق عكاشة شهرة اختلطت على الناس، فهو مشارك فاعل ومؤثر في أحداث الثلاثين من يونيو، وهو متنبئ بأحداث، وظن الناس أنه شيخ عريف، وحسب آخرون أنه وثيق الصلة بأجهزة المخابرات والمعلومات المصرية، وهو رجل مضحك، خفيف الظل، ممتع في الحكي على الطريقة الريفية، وهو صاحب محطة، يديرها كما يشاء، شخطا وسخطا وحنانا ومسايرة، لمن معه وفيمن معه، وهو مطالب لا يكل ولا يمل لحقه نظير دوره في ثورة ٣٠ يونيو..

وفي أقل من أسبوع، قتل عكاشة البرلماني زميله الإعلامي عكاشة، وانهار الاثنان معا، حين حطم المحظور الشعبي والبرلماني، بأن دعا في بيته وفي بلدته بالدقهلية، سفير إسرائيل، على عشاء من الملوخية والطعمية، والبط ربما، وما طاب.

لقد طرد البرلمان المصري النائب عكاشة بتصويت زاد على ثلثي الأعضاء ( ٤٦٥ صوتا من ٤٩٠ صوتا، وامتناع ١٦، واعتراض ٨ )، على خلفية العشاء الأخير لعكاشة مع السفير الإسرائيلي.. أقول على خلفية لأن اللقاء في ذاته ليس مجرمًا، بل كما قال رئيس البرلمان دكتور على عبد العال، بل لأن النائب تكلم فيما لا يعنيه، ووعد بإعطاء إسرائيل ما لا يملك، وطلب إليها القيام بدور، لم يطلبه منه ولا منها رأس الدولة ولا أجهزتها التنفيذية.

والحق أن المزايدة الناصرية على اتفاقية "كامب ديفيد" كانت مشتعلة، حتى حسبت أن ناصر خرج من قبره، وقاد الهجوم على اتفاقية السلام، مع أن الناصريين يعلمون جيدًا أن مبادرة روجرز أيام ناصر وفي حياة عينه، كانت خطوة نحو السلام مع إسرائيل !

البرلمان المصري سوق ناصرية مصهللة، ومع أن هناك كثيرين، مع السلام والحفاظ على اتفاقية السلام، إلا أن المزاد المفتوح يجعل حناجرهم خجلى، فيؤثرون ابتلاع ألسنتهم.

على العصبة الناصرية أن تعلم أنها يمكن أن تؤذي الدولة في ظرفها القهري الحالي، بأضعاف ما أذي به عكاشة المشاعر الشعبية والمصالح الوطنية.

ليست هذه حقبة الرئيس ناصر ولا الرئيس السادات، ولا الرئيس مبارك، بل هي حقبة عبد الفتاح السيسي، ومعه الشعب كله، في ظرف من أحلك الظروف.. من ذا الغبي الذي يهدف إلى تفجير موقف مع إسرائيل، ونحن في حروب، وليس حربًا واحدة، للأسف مع دول عربية وإقليمية، تستعمل علينا خونة في الداخل وفي الخارج ؟!

ترى.. هل ستسكت إسرائيل على ما جرى ؟!

ستجعل من عكاشة رجلها البطل، وسنراه على منصة الكنيست، يلقي كلمة، ويضعون على صدره وشاح التكريم، وربما يخلعون عليه الجنسية، ومن هناك، سيصير العكش نجم الـــCNN وABC وBBC وغيرها وغيرها.

الغوغائية السياسية تستدعي عواقب كارثية، وحب الوطن بتعطيله وكعبلته، والزج به في حروب وحفر هو في غنى عنها، هو حب الأغبياء، والدببة.

برلمان ٢٠١٥ أنت لست مجلس الأمة في عهد ناصر ولا السادات.. عملية التصويت على عكاشة كشفت عن استدعاء كامل لناصر وزمنه ورجاله.. في غير زمنه، ولا ناسه، ولا ظرفه السياسي الدولي.. انتبهوا.. الحنجوريون يقودون !
الجريدة الرسمية