رئيس التحرير
عصام كامل

توفيق عكاشة.. الحكاية فيها إنّ!


الآن فقط، تحركت الدولة ضد توفيق عكاشة.. كل الناس -إلا القليل- انقلبوا على «الباحث»، «المؤرخ»، «الإعلامي»، «الدكتور»، «فاتح المندل»، «قارئ الكف»، «مُفجر الثورات»، كما كان يدعي على قناته المثيرة للجدل منذ انطلاقها.. الآن فقط حصحص الحق، وتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.


الآن فقط، تذكرتْ أجهزة الدولة أن المذكور «سافل»، «منحط»، «سبَّاب»، «لعَّان»، «نصَّاب»، «مُطبِّع»، «مزوِّر»، «مجرم» عتيد الإجرام، لا يستحق شرف العضوية في مجلس نواب جاء بعد ثورتين عظيمتين.

الآن فقط، أدركَ بعض السادة النواب في المجلس الموقر أن توفيق «خطر على أمن مصر القومي»، وأنه أخطر على مصر من «سد النهضة»، ومن «الإخوان الإرهابيين»، ومن «الكيان الصهيوني الاستيطاني»، ومن «المخطط التركي الاستعماري»، ومن «أزمة الدولار».. لدرجة أن النائب محمود بدر طالب النائب العام بإصدار قرار بـ«منع عكاشة من السفر؛ خوفًا من هروبه إلى إسرائيل».

الآن فقط، تذكر السادة النواب أن زميلهم «ساقط توجيهية»، و«محترف تزوير».. وانتفضوا ضده؛ وانبروا لجمع توقيعات لإسقاط عضويته؛ مطالبين بتطهير المجلس الموقر منه!..أين كانت انتفاضتهم هذه حينما أهان أحد زملائهم «القسم القانوني» في أول جلسة، و«حِلِف بالطلاق».. أين.. وأين؟

الآن فقط، تيقن كبار الإعلاميين -الذين زارهم «توفيق» في مقار عملهم، و«أشادوا بزيارته لهم»- أن «عكاشة» يستخدم «خرارة الفراعين»؛ لـ«بث سمومه»، و«تشويه الحقائق»، و«تصفية خصومه»، و«الخوض في الأعراض».. يا واد يا مؤمن!.. وهل «توفة» وحده مَنْ يفعل ذلك؟.. أبدًا أبدًا.. فهناك النائب إمبراطور «السيديهات»، والنائب صاحب «الصندوق الأزرق»، والإعلامي المشهور بـ«الضرب على القفا»، وغيرهم.

الآن فقط، تذكر مهاجمو «عكاشة» أنه حاصل على معهد «خدمة اجتماعية»، ودخل المجال الإعلامي بـ«الواسطة»، وأنه كان يُقبِّل يد «صفوت الشريف»، وأقدام «يوسف والي»، وينام على عتبة باب «جمال مبارك»، ويلحس تراب «الحزب الوطني المنحل».. رغم أنهم كانوا يتمنون الظهور معه في قناته، وكانوا يشيدون بوطنيته، و«ثوريته» ضد نظام الإخوان، و«نجاحه» في كشف «المتآمرين»، و«الخونة» الذين تلقوا تمويلًا من الخارج لـ«إسقاط مبارك»!

الآن فقط تحرك أهالي «نبروه» -دائرة عكاشة الانتخابية- وتذكروا أن نائبهم «جلب عليهم العار»، ويجب التخلص منه، وتجريده من أسلحته.

الآن فقط تذكر بعض الذين كانوا يدافعون عن توفيق، من الإعلاميين، والسياسيين، والأمنيين، والثوريين.. أنه «عميل»، و«جاسوس» للكيان الصهيوني، وأنه خضع لـ«اختبارات كشف الكذب في الموساد»، وأنه «تم تجنيده- هو و15 شابا وفتاة من جنسيات عربية- في شبكة شبابية أسسها الرئيس الإسرائيلى السابق شيمون بيريز، أطلق عليها اسم (شبكة قادة المستقبل) وهؤلاء الشباب تم إعدادهم على أيدى خبراء صهاينة أغلبهم عملوا من قبل بجهاز الموساد ليقودوا بلدانهم والمنطقة تجاه السلام والرخاء».. تخيلوا بقى توفيق عكاشة جاسوس إسرائيلي.. قال وإحنا كنا بنتريق على الموساد إللي عذب المناضلة نادية الجندي!

الآن فقط، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، غضبًا وسخطًا على الشخص الوحيد الذي أتى بما لم يأتِ به الأوائل، وأضاف تاريخًا جديدًا إلى التقويم الميلادي «13- 13- 2013».. فـ«الفسابكة»- الذين ينتظرون الساقطة واللاقطة- راحوا يمارسون هوايتهم في البوستات الساخرة، والساخطة، والمسيئة أحيانًا.. وعلى الدرب سار «التويتريون»، الذين نالوا من الرجل، وخاضوا في أعراضه كما خاض هو في أعراض الآخرين.

وللأمانة، كان هناك بعض المؤيدين لمسلك «توفة»، مطالبين الدولة باستغلال هذه الصحوة المفاجئة، لـ«حماية الذوق العام»، وتطبيق القانون على أمثال عكاشة المنتشرين في وسائل الإعلام، ويملأون حياتنا كذبًا، ونفاقًا، وخدشًا للحياء العام!

الآن فقط، ظهرت الأوراق «الرسمية»، الدالة دلالة لا تقبل التشكيك على أن «توفة» مُزوِّرٌ لشهادة الدكتوراه، وظهرت المستندات الدالة على أنه نَصَبَ على أهالي دائرته، وحصل على آلاف الأفدنة باسم «جمعية الإعلاميين»، و.. و.. و...إلخ.

لقد تعلمنا من التاريخ أن أي تحرك يكون له هدفان، أحدهما ظاهرٌ، والآخر خفيٌ.. وفي واقعة «عكاشة»، دارت في رأسي عدة أسئلة مفصلية: ما الدوافع الحقيقية لهذا التحرك ضد «توفيق»؟ هل أصبح الرجل «كارتًا محروقًا» لدى النظام الذي كثيرًا ما ادعى عكاشة- على الملأ- أنه جزء منه، وله شبكة علاقات نافذة بكبار صناع القرار السابقين والحاليين؟ هل تجاوز الرجل الخط المرسوم له، بتطاوله على النظام السعودي والإماراتي، وإساءته للرئيس عبد الفتاح السيسي، وإهانته لبعض رجال الأعمال، والإعلاميين، والسياسيين؛ فصدرت الأوامر بالتخلص منه؟ أم أن النظام استيقظ من سباته العميق، وأدرك حجم الكارثة، وخطورة الموقف، فسعى إلى التطهر، وتنقية ثوبه من الشوائب العالقة به، ومن المسيئين إليه؟

لقد بُحت أصواتنا أكثر من مرة للمطالبة بالتحقيق مع «توفيق عكاشة» في الاتهامات المنسوبة إليه، وما أكثر هذه الاتهامات.. البعض قدم أدلة، ومستندات، وقرائن دامغة لا تقبل التشكيك على انحراف هذا الشخص، وسوء مسلكه، وفساد استدلاله.. كتبنا آلاف المقالات والتحقيقات التي تطالب بإغلاق «البكابورت» الذي يخرج علينا منه.. ناشدنا كل الأجهزة المعنية بالتصدي لبذاءاته.. طالبنا الرئيس السيسي- وقت أن كان يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية- بوقف انتهاك هذا الشخص، وغيره، للأغراض، ونهشه في لحوم المصريين والأشقاء العرب.. ولكن لم يسمع أحد أصواتنا، ولم يستجب أحد لمطالبنا؛ حتى كِدنا أن نصدق، أو أن بعضنا صدَّق بالفعل، أن «عكاشة ابن الدولة المدلل»، وأن النظام يُطلقه على معارضيه، ومنتقديه.

هل معنى كلامي أنني أؤيد سلوك، وتصرفات، وبذاءات توفيق عكاشة؟ بالطبع لا.. لكن ما نرجوه ونأمله أن يطبق القانون على الجميع، دون استثناء، وليس على عكاشة وحده؛ وأن يُحاكم «توفيق» على الجرائم التي ارتكبها بالفعل، سواء كانت جرائم «تزوير، أو نصب، أو سب، أو قذف، أو إهانة، أو تجريح»..

أما محاكمته بتهمة «الجاسوسية»، و«التطبيع»، و«إضراره بالأمن القومي».. فهي -في ظني- اتهامات ستثير الدهشة، والسخرية.. وربما يستغلها الإعلام العالمي المناهض لمصر للإساءة إلى النظام الذي يقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع الاحتلال الصهيوني.. وهناك رجال أعمال -أشهر من نار على علم- يعقدون الصفقات ويوقعون الاتفاقيات مع الصهاينة، على مرأى ومسمع من كل الأجهزة المعنية.

سؤال أخير: هل من الممكن أن يهرب توفيق عكاشة إلى إسرائيل؟! كل الاحتمالات واردة.
الجريدة الرسمية