رئيس التحرير
عصام كامل

السيسي وانحيازاته الاجتماعية !!


لكى نعرف إلى أين تسير مصر؟ لابد من التساؤل حول الانحيازات الاجتماعية لرئيس الدولة؟ في ظل نظام سياسي يحدد فيه موقف الرئيس كل شيء فالحكومة يختارها الرئيس، والبرلمان بتركيبته العجيبة الراهنة لا حول له ولا قوة، وبالتالى من يرسم السياسات العامة للدولة على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية داخليا وخارجيًا هو الرئيس، وما الحكومة والبرلمان إلا أدوات مساعدة من أجل الشكل القانونى والدستورى فقط، وحتى لا يكون الكلام مرسلا ودون أدلة فعلينا أن نتساءل هل يشعر المواطن المصرى بأن هناك حكومة لها خطة أو برنامج ؟


والإجابة القاطعة التي أسمعها كلما وجهت السؤال لأى مواطن مصرى ( هو فيه حكومة من أصله )، حتى رئيس الحكومة ووزراؤها لم يعد المواطن يستطيع أن يحفظ أسماءهم، وهذا ما يعنى أنهم غير مؤثرين وليس لهم وجود واقعي.. وإذا سألت السؤال ذاته على البرلمان ومدى فاعليته وجدواه ؟ فالإجابة القاطعة أيضًا تؤكد أنه لا يرقى لطموحات شعب قام بثورتين.. إذًا الرئيس وانجيازاته الاجتماعية هي من يحدد في أي طريق نسير وهو وانحيازاته من يحسم مستقبل مصر.

ومن خلال تحليل خطابات الرئيس التي كثرت في الآونة الأخيرة يمكن القول بلا أدنى شك إن الرئيس قد حسم خياراته وانحيازاته الاجتماعية على مستوى منطوق الخطاب، فالرجل لا يترك مناسبة إلا وأكد للشعب المصرى أنه مع الفقراء والكادحين والمهمشين والمقهورين والمظلومين والمكلومين من شعب مصر، والذين يشكلون الغالبية العظمى من أبناء الوطن، ولا يكتفى الرجل بتأكيد ذلك، بل وصل به الأمر إلى مغازلتهم، حيث يعتبرهم ( نور عينيه ) وفى خطابه الأخير أكد لهم أنه لو ينفع ( ينباع ) من أجلهم لن يتردد فهو فداء لمصر، وبالطبع هذه اللغة التي تدغدغ المشاعر لدى شعب يمكن توصيفه وفقًا لأنماط الفعل التي حددها عالم الاجتماع الألمانى (ماكس فيبر) بأنه شعب عاطفى يغلب على أفعاله ذلك النمط من الفعل البعيد عن العقلانية والرشد، وبالتالى يتأثر كثيرا بكلمات الرئيس العاطفية والحنونة..

وبالطبع قد يكون الرجل صادقا في كلامه ومشاعره، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل بالفعل هناك اتساق بين ما يطرحه الرئيس في خطاباته من انحياز واضح للطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية الوسطى والدنيا وبين ما يتخذه فعليا وواقعيا من قرارات وما يتبناه من خطة وبرنامج ومشروع ليحقق لهم آمالهم وطموحاتهم وأحلامهم المشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ؟

وفى محاولة للإجابة عن هذا السؤال المفصلى والمحورى في ذات الوقت ومن خلال الشواهد والأدلة الواقعية، فالممارسات من خلال الحياة اليومية تؤكد وجود فجوة كبيرة بين منطوق الخطاب الذي يصدره الرئيس وبين أفعاله الواقعية، فالرئيس ووفقا لمنطوق خطابه ليس لديه خطة أو برنامج أو مشروع اجتماعى ليقدمه للشعب المصرى، وما يقوم به من إنجازات على أرض الواقع ورغم أهميتها وعدم إنكارها لكنها لا تشكل مشروعا تنمويا حقيقيا، بل يمكن القول الآن إنه لم يطرح خطة أو برنامج أو مشروع لأنه قد قرر ومنذ البداية السير وفق المشروع الرأسمالى الغربي التابع نفس الطريق الذي سلكه السادات ومن بعده مبارك ثم طنطاوى ومرسي ومنصور..

هذا المشروع هو الذي أوصل مصر وشعبها إلى ما وصلت إليه من تجريف في كل المجالات، وهو ما أدى إلى أن يعيش ما يقرب من 70% من شعب مصر إما تحت خط الفقر أو في حزامه، في نفس الوقت الذي يحصل فيه 1% فقط على نصف الدخل القومى.

فالرئيس لم يقترب منذ مجيئه من رجال أعمال نظام مبارك بل يعتمد في مشروعاته الكبرى على المواطن الفقير الذي جمع له 64 مليار جنيه لمشروع قناة السويس، والذي يتحمل بصبر الارتفاع الجنونى في أسعار السلع والخدمات الأساسية غذاء وأدوية وكهرباء وغاز وبنزين وسولار ومياه وصرف صحى.. إلخ، وأخيرا يطالبهم الرئيس في خطابه الأخير بالتبرع يوميًا بجنيه واحد عن طريق مكالمة هاتفية (يصبح) بها على مصر.

وبالطبع تبرز المواقف والقرارات والأفعال التي يتخذها الرئيس في الواقع انحيازاته الاجتماعية المضادة للفقراء والكادحين والمهمشين والمقهورين والمظلومين والمكلومين من شعب مصر، والداعمة للأغنياء والفاسدين والنهابين والسارقين لثروات الوطن، وإن لم يصحح الرئيس السيسي من انحيازاته الاجتماعية واقعيًا فلا ينتظر أن يصبر عليه الشعب طويلا، فالفقراء ليس لديهم ما يخسرونه من ثورتهم عليه كما ثاروا على من سبقوه.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية