رئيس التحرير
عصام كامل

22 فبراير 1958


منذ أيام قليلة، مرت ذكرى ٢٢ فبراير دون أن يهتم بها أو يلتفت إليها أحد، على الرغم من أننا عشنا هذا اليوم منذ عام ١٩٥٨ بقلوبنا وعقولنا وأحلامنا وأمانينا.. في ذلك اليوم أعلن عن وحدة مصر وسوريا وقيام "الجمهورية العربية المتحدة"، كمقدمة وخطوة أولى نحو الوحدة العربية الشاملة.. لم يكن ذلك حلمًا للرئيسين الراحلين عبد الناصر وشكرى القوتلى فقط، وإنما كان حلمًا لنا جميعًا، وأملا للشعبين المصرى والسورى، والشعوب العربية أيضا..


فالدولتان لهما قيمتهما الكبرى ليس فقط على المستوى الإقليمى، وإنما أيضًا على المستوى الدولى.. ولم تزرع دولة الكيان الصهيونى في أرض فلسطين، تلك البقعة المباركة من أرض العروبة والإسلام، إلا للفصل بين مصر وسوريا.. إن معنى قيام وحدة كاملة بين مصر وسوريا؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعسكريا، قوة للعرب جميعا، وهو ما أقضَّ مضاجع الصهاينة..

لقد كان هناك رئيس واحد، وحكومة واحدة، وبرلمان واحد، بل جيش واحد قوامه: الجيش الأول في سوريا (الإقليم الشمالى)، والجيشان الثانى والثالث في مصر (الإقليم الجنوبى).. صحيح أن الوحدة بين مصر وسوريا لم تستمر سوى أقل من ٤ سنوات، إلا أن التواصل ظل موجودا، ولعب دورا مهما في الانتصار العظيم الذي تحقق في حرب العاشر من رمضان/ السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣.. وما كان للمنطقة أن تهنأ بهذا الانتصار، إذ كان المخطط الأمريكى الصهيونى لها بالمرصاد..

فبعد الثورة الإيرانية، اشتعلت الحرب بين إيران والعراق، واستمرت زهاء ثمانى سنوات، أتت فيها على الأخضر واليابس في كل من الدولتين.. ثم كان غزو العراق للكويت في أغسطس عام ١٩٩٠، فحرب عاصفة الصحراء لطرد العراقيين منها في يناير ١٩٩١، ثم احتلال العراق في أبريل عام ٢٠٠٣ وتفكيك مؤسساته كلها، وبداية عهد جديد للإرهاب..

مع بدايات عام ٢٠١١، قامت في بعض الدول العربية؛ تونس، مصر، ليبيا، سوريا، واليمن ما سمى "ثورات الربيع العربى"، كنتيجة للسياسات الاستبدادية لنظم الحكم في هذه الدول.. نجحت تونس في مسارها الديمقراطى الجديد، أما مصر فحدثت فيها ثورة ثانية، هي ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وها هي الآن تستقر ديمقراطيًا..

على النقيض، اختلفت الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن، حيث تعانى منذ فترة تفككا وتمزقا، فضلا عن نشوء كيانات جديدة تمثل أشواكا في خاصرة الوطن العربى كله.. نشهد حربًا ضروسًا يشتعل أوارها في هذه وتلك، تأكل الأخضر واليابس، وتؤدى إلى سقوط عشرات ومئات الألوف من الضحايا والجرحى والمصابين، علاوة على ملايين النازحين.. وما بقى من شعوب هذه الأوطان، يعيشون حياة بائسة وتعيسة، ولا أحد يدرى متى تنتهى المأساة..

إن إطالة أجل الحرب، معناه استنزاف كل ثرواتنا ومواردنا، وبالتالي إفقارنا وتعجيزنا، وقبل ذلك وبعده استنزاف دمائنا، التي تمثل حياتنا ووجودنا.. إطالة أجل الحرب معناه دفع الشعوب لقبول مزيد من التقسيم، أو كما يقال تجزيئ المجزأ وتقسيم المقسم وتفتيت المفتت، بحيث تصبح الدولة الواحدة ثلاثا أو أربعا أو حتى خمس دويلات..

لقد تمنينا منذ نعومة أظافرنا -وما زلنا نتمنى- أن نرى الدول العربية التي مزقتها اتفاقية سايكس-بيكو، تعود إلى الالتحام مرة أخرى تحت راية واحدة، وأن تذوب تلك الحدود المصطنعة بين الشعوب العربية والإسلامية، لكن من خلال أنظمة حكم ديمقراطية تؤول في النهاية إلى وحدة أو "اتحاد كونفيدرالي"، على نمطية الاتحاد الأوروبي، فيكون لكل دولة دستورها وقوانينها، ومؤسساتها، وسياستها، واقتصادها، لكن في الوقت ذاته يكون هناك دستور جامع، وقوانين عامة.. إلخ..

إن ما يجمع الدول العربية والإسلامية أكبر بكثير جدا مما يفرقها.. لدينا التاريخ الواحد، واللغة الواحدة، والثقافة الواحدة، والهدف الواحد، لكن تنقصنا الإرادة.. الوحدة بيننا كعرب ومسلمين، يوم أن تقوم، سوف تكون أجل وأعظم من الوحدة بين الشعوب الأوروبية.. ولا أحد ينكر أن هذه الوحدة فيها القوة، والعزة، والمجد، والسؤدد، وإنه بغيرها، من الصعب أن نبنى نهضة، أو نصنع تقدما، أو نحقق هدفا، خاصة في ظل هذا العالم الأسيف، الذي لا يحترم إلا القوة بكل معانيها؛ وهذا لا يتوافر اليوم إلا للكيانات الكبيرة.. غير أننا ابتعدنا عن هذا الهدف الكبير كثيرا، بأيدينا قبل أيدي غيرنا.. واليوم نعيش أحلك أيام حياتنا.. أصبحنا شتاتا ممزقا، تلعب بنا الدول الكبرى كما يلعب الصبيان بالكرة..
الجريدة الرسمية