رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة لا تنسى في مارسيليا (1)


بدا الجو مشمسًا بسماء صافية حين خرجت وصديقتى سونيا من موناكو متجهين إلى مارسيليا بسيارتها لحضور حفل عشاء في بيت القنصل العام المصرى، أغمضت عينيَّ بسعادة، ها أنا في طريقى لرؤية الميناء الشهير الذي قرأت عنه في كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" لرفاعة الطهطاوى حين كنت بالمدرسة الإعدادية بمصر.


نخترق الطريق يبن الجبال بهدوء وتفصلنا عن مارسيليا ساعتان، لكن كلما اقتربنا زاد الجو قتامة حتى وصلنا إلى "إكس دى بروفانس" المدينة السابقة لمارسيليا فتبدل النهار ليلا مصطحبًا معه أمطارًا غزيرة وإذا بالشتاء ينقض علينا ونحن في قلب فصل الربيع وسحابة في السماء تفجرت منها المياه كبحيرات فوق رءوسنا لتحول سعادتى الطفولية إلى ذعر، كانت سونيا تقود ببطء كمن يركب جملًا مريضًا محاطًا برداء أسود مجهول، وحين خرجنا من تحت السحابة إلى طريق أكثر نورا وأقل سيولا كنا كالعائدين من الموت إلى الحياة، واستكملنا طريقنا بنصف فرحة إلى مارسيليا.

جهاز "الجى بى إس" الذي يحدد لنا الطريق توقف لينبئنا بالضياع في مدينة كبيرة، وعند النفق لم نعرف أي طريق نسلكه لنصل لحفل العشاء فاخترنا تفريعة ألقت بنا على الجانب الآخر من المدينة وتوقفنا نلتمس من يهدينا وفتحت زجاج السيارة لأجد أمامى مراهقا عربيا في عمر الخامسة عشر تقريبًا كان شرحه للعنوان مضطربًا كمن لا يعرفه ويشير في كل الاتجاهات وفى اللحظة التي شكرته فيها لأنهى الحوار كانت يده امتدت داخل السيارة وخطفت حقيبتى وطار خلف شاب آخر على موتوسيكل.

يا له من استقبال يا مارسيليا فبعد مرور 15 عاما بمونت كارلو لم يحدث أن تعرضت لموقف مشابه وكيف أتعرض له في إمارة تملؤها الكاميرات وبها الكثير من الأغنياء، كنت أهذى في الشارع من الذهول وسونيا تحاول تهدئتى حين توقفت سيارة وسألتنا عما حدث وقال قائدها اركبوا معنا نحن بوليس مدنى فرفضنا فلم نكن نعرف أن فرنسا بها بوليس مدنى بسيارة مدنية، فموناكو بها بوليس واحد بزى رسمى، ترى كم مفاجأة تخبئيها لى يا مرسيليا؟!

محاطين بوجوه عربية تشفق علينا نحن الغرباء على المدينة الضائعين المسروقين والتف حولنا مجموعة من المصريين الطيبين تركوا حفل العشاء وجاءوا على عجل لمساعدتنا، قام أحدهم بوقف كارت الفيزا الخاص بى كى لا يستخدمه السارق، في نفس الوقت كان البوليس يتصل به ليعلمه أنه وجد الحقيبة ووصل لنا عن طريق آخر رقم اتصلت به من هاتفى المحمول.

على باب قسم الشرطة كنت كمن منى نفسه بحفلة عشاء وحلم ونزهة على الميناء القديم بمارسيليا وسط إضاءات وأنوار المراكب وتحول الحلم إلى كابوس لأمضى ليلتى لأول مرة في حياتى بقسم شرطة..
الجريدة الرسمية