رئيس التحرير
عصام كامل

«بدعـة» السيسي!


«الأمم لا تُبْنى بتبرع أبنائها».. هكذا يزعم المعارضون لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي «صبح على مصر بجنيه»؛ وملأوا الفضاء الإلكتروني بـ«السخرية»، و«التجاوز»، و«التطاول»، والتحريض.. مُدعين أن تلك الدعوة «بدعة» من بِدع السيسي.


ما أسهل أن تعارض.. ما أبسط أن تهاجم دعوة.. ما أيسر أن تحاول تثبيط الهمة بكبسة زرٍ على الكيبورد.. لكن الأصعب أن تتبنى وتدافع عن دعوة يعتقد مُطلقها -بنية يُفترض في الصدق- أنها في صالح البلد.

السيسي لم يضرب أحدًا على يديه، لم يُجبر أحدًا على التبرع «ولو بجنيه».. أطلق دعوةً، مَنْ استجاب لها فله الأجر، ومَنْ لم يستجب «فلينقطنا بسكاته»، وليُمسك عليه لسانه في الإعلام، ويكف يده عن كتابة سمومه على مواقع التواصل الاجتماعي.

في وقت الأزمات والشدائد تظهر معادن الرجال.. ومما لا شك فيه أن بعض الدعوات -خاصة تلك التي تهدف إلى تحقيق نوع من التكافل الاجتماعي- أظهرت معادن كثير من المصريين الذين يستجيبون لها، كما أنها كشفت أمر المنافقين، والمتقاعسين، والمتخاذلين عن الوقوف إلى جوار الدولة.

هل أخطأ السيسي في دعوته تلك؟ قطعًا بالتأكيد، من وجهة نظر المتربصين بالرجل.. هل ما جاء به الرئيس «بدعة»، لم يأتِ بها الأوائل؟ هنا نتوقف، ونعود إلى التاريخ.

تروي كتب التراث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي إطار الاستعداد لغزوة «تبوك»، أطلق دعوة بالتبرع لصالح الجيش؛ فتصدق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بنصف ماله، ففرح النبي، ودعا له بالخير.. وبعد قليل جاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وتصدق بكل ما عنده، فقال له النبي: يا أبا بكر ماذا تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله.. فدعا له النبي.

لكن ما تم التبرع به لم يفِ بالغرض، فجمع النبي الناس في المسجد وخطب فيهم، وقصد الأغنياء، قائلًا: مَنْ يجهز جيش العسرة، وله الجنة.. فقال عثمان بن عفان، رضي لله عنه: علىّ مائة بعير بكل ما تحتاجه من زاد وسلاح.. فدعا له النبي بالخير وجلس.. وظل النبي يحمس الناس، لكن ما قام أحد، فقام عثمان مرة أخرى وقال: وعلى مائة أخرى بكل ما تحتاجه من زاد وسلاح فدعا له النبي بالخير وجلس.. ومازال النبي يحمس ولا يقوم إلا عثمان، فَسُرَّ به النبي، وقال: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم.

ولما خيم النبي بجيش تبوك خارج المدينة خرج المنافق عبد الله بن أبي بن أبي سلول وخيم في معسكر آخر قرب النبي، ولم يدخل في جيش المسلمين ومعه المنافقون وبدءوا يدعون الناس إليهم.. وعندما تحرك النبي قال «أبي بن أبي سلول»: إن هذا وقت حر فارجعوا.. فتحرك النبي ومن معه نحو تبوك، وعاد المنافقون إلى المدينة.

وإذا كان البعض «يستثقل» الاستشهاد بعصر النبي وصحابته الكرام؛ فإني أحيلهم إلى التاريخ الحديث، وأسألهم، ولا أنتظر منهم إجابة: ألم تُنشأ جامعة القاهرة بـ«التبرع»؟

دعكم من الجامعة.. أتذكرون «مشروع القرش» الذي أطلقه الطالبان -وقتذاك- «أحمد حسين، وفتحي رضوان» في عام 1931؛ للتبرع من أجل مصر؛ لمرور البلاد بحالة كساد اقتصادي؟ هذه الدعوة حققت أهدافها، رغم معارضة كثير من المفكرين والمثقفين لها، وعلى رأسهم «طه حسين».

ألا تذكرون أنه في 6 فبراير 1941، وجه الناظر الخاص بالملك فاروق الأول خطابًا لمجلس الوزراء، أعلن فيه صرف 2000 جنيه؛ للقضاء على ظاهرة «حفاة الأقدام»، وطلب من الميسورين التبرع من أجل هذا الهدف؟ ألا تذكرون أنه في عام 1955، وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر أقيم «أسبوع التسليح»، تحت رعاية الفنانين، على رأسهم تحية كاريوكا؛ لتسليح الجيش؟ ألا تذكرون حملات «التبرع» من أجل إعادة «تسليح الجيش المصري»، عقب نكسة 1967؟

بلاش كل ده.. أتذكرون حملات التبرع التي صدعنا بها «الإخوان» لصالح «غزة»؟ ولّا هي حلوة لـ«الغزاويين» ووحشة لـ«المصريين»؟!

أظن -وليس كل الظن إثمًا- أن السيسي لم يكن يقصد من دعوته لحملة «صبح على مصر بجنيه» سوى القادرين فقط، وليس الفقراء ومعدومي الدخل.. وليس معنى ذلك أن نعفيه من محاسبة الفاسدين، والمنحرفين، وسارقي أراضينا، وناهبي أموالنا، ومصاصي دمائنا، والمتاجرين بأقواتنا.. وإنا لمنتظرون.
الجريدة الرسمية