رئيس التحرير
عصام كامل

توفيق عكاشة خائن أم فقد عقله؟!


عندما فوجئنا في مصر والعالم العربي بالرئيس الأسبق حسني مبارك في جنازة إسحاق رابين بعد اغتياله، دارت حوارات كثيرة حول هذا التصرف الذي اعتبره البعض التزاما تفرضه قواعد البروتوكول الدولي مع دولة أخرى لنا معها اتفاقيات وعهد، في حين رأى البعض هذه الخطوة أمرا مرفوضا تماما من مصر، وأنه إشارة ودعوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكن أثير سؤال في غاية الأهمية: لماذا لم نعتبر عمرو موسى يوما مطبعا أو خائنا؟ جاءت الإجابة لأن طبيعة عمل وزير الخارجية تحتم سفره إلى الأراضي المحتلة ولقاء المحتل، ثم إنه ظهر في معرض الكتاب - الأخير - ترجمة لكتاب "ألف ليلة دوت كوم"، تأليف المحلل الصهيوني جاكي جوحي، في إذاعة الجيش الإسرائيلي، علما بأن هناك صداقة بين المؤلف والمترجم عمرو زكريا، واختلفنا بين مؤيد للترجمة وآخرين قالوا هذا اختراق وتطبيع مع الكيان الصهيوني، وثالث قال إنه إذا كانت المسألة مجرد ترجمة فلماذا دعا المترجم المؤلف لقضاء أيام بالقاهرة وأعد له لقاءات.. إلخ.


إذن نستطيع القول إن هناك محاولات منظمة تتسلل بهدوء إلى المجتمع المصري الرافض تماما للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومن العبث أن تكون محاولات إغراق المجتمع بخرائط مضللة عن فلسطين صدفة، أو الترجمات التي تتم في خفية ونفاجأ بها في المعارض أو المكتبات، ونفاجأ باحتفالات في الإعلام الإسرائيلي بها صدفة.

ما سبق رأيت أن التذكرة به مهم للغاية عندما نتحدث عن قنبلة المدعو توفيق عكاشة، العضو البرلماني، بدون مقدمات فوجئنا بإعلانه لقاء السفير الصهيوني، ولم تمضِ ساعات إلا والتقى توفيق عكاشة مع السفير الإسرائيلي، وقامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن، هناك من طالب بفصله من مجلس النواب، وآخر قال إنه لا بد من محاكمته لخيانته، وسط هذا تتردد أخبار عن دعوة في الطريق لعكاشة لإلقاء كلمة في الكنيست الإسرائيلي، والحقيقة أن موقف توفيق عكاشة يكشف ويفضح هشاشة مواقفنا المبدئية، لأنه لا يوجد أي معايير ممكن أن نلجأ إليها لتحديد نوعية التصرف..!

فالواقع يقول إنه لم يحدث منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، لم ينفذ مجلس الشعب بشكل رسمي أي مظاهر رسمية بزيارة إسرائيل أو القيام أو دعم أي خطوات للتطبيع، ويأتي تصرف توفيق عكاشة ليجعلنا نسأل: أليس من حق عضو مجلس النواب التواصل مع سفراء الدول بشكل عام؟ نعم من حقه..! إذن فلماذا يتم محاسبته على لقاء تم مع دولة لدينا معها علاقات ويتهم بالخيانة؟! ولماذا نعتبرها خيانة دون الدول الأخرى؟ بل إن أحد المحامين -شوقي السيد - صرح بأن لقاء توفيق عكاشة مع السفير الإسرائيلي ينطبق عليها تهمة الخيانة كجريمة مكتملة الأركان..!

وأيضا دخلت السيدة رقية السادات، الابنة الكبرى للرئيس الراحل أنور السادات، في الأمر المثير، وتعلن عن طريق محاميها - سمير صبري - مقاضاة توفيق عكاشة لمهاجمته الرئيس السادات والمطالبة بإخراج جثته وضربها بالنار، ليؤكد للإعلام الإسرائيلي عدم اعترافه بانتصار السادس من أكتوبر 73، وفي ظل هذه الفوضى، تساءل البعض عن تمويل إسرائيل لقناة الفراعين، ويعلن التليفزيون الإسرائيلي عن رغبة عكاشة لزيارة تل أبيب ولقاء نتنياهو، والطريف أن الإعلام الإسرائيلي يدافع عن الصديق الجديد لهم توفيق عكاشة..!

هنا أكرر أن انعدام المعايير هو السبب الأول في الورطة التي تجعلنا حيارى في الحكم على تصرفات عكاشة الحمقاء، أود أن أذكر أن حركة مقاومة التطبيع هي حركة شعبية مائة في المائة، ولا تجرم من يتعامل مع إسرائيل - العدو الصهيوني - من خلال مناصبهم الرسمية، ولكن لا بد أن نعترف بأن الدولة المصرية انضمت لهذه الحركة الشعبية المناهضة لكل صور التطبيع ومحاربته بكل الوسائل السلمية، على سبيل المثال فشل إسرائيل عقد لقاءات رسمية مع وزارة الثقافة المصرية، بل إن فاروق حسني كان يجاهر بأنه ضد التطبيع، الصور الأخرى التي توضح أن الدولة في صف المقاومة للتطبيع، تخفيض التعامل الدبلوماسي، خاصة في حالات انتهاك إسرائيل الحدود مع غزة أو الاعتداء على أهلها، وما يفعله توفيق عكاشة سواء بلقاء السفير الصهيوني أو تصريحاته ضد السادات، وبالتالي ضد مصر يجعلنا نؤكد أنه ليس في مواجهة مع النظام بل في مواجهة الشعب المصرى.

فالشعب المصري فخور بانتصار جيشه بقيادة الرئيس محمد أنور السادات في أكتوبر 73، الشعب المصري لا يزال يرى أن الكيان الصهيوني العدو الرئيسي، وبالتالي أصبح حكم الشعب على توفيق عكاشة هو الخيانة لدماء الشهداء ولقضايانا الوطنية.. وللعلم كاتب هذه السطور لا يعترف بما تسمى إسرائيل ومؤمن تماما بعودة فلسطين كاملة لنا..!

الجريدة الرسمية