رئيس التحرير
عصام كامل

هيكل وعبدالناصر.. والحرافيش !


منذ ترك الأسطورة محمد حسنين هيكل الأهرام في النصف الأول من السبعينات لم يخفت نجمه حتى رحيله، فظل محورا مهما سواء على الكتابة الصحفية في العديد من الصحف العالمية، بالإضافة إلى كونه محورا سياسيا يعتد دائما بوجهات نظهره.. إلخ.


في 22 من ديسمبر عام 1984 كتب مقالا في مجلة العقيدة العمانية -المجلة الأسبوعية الوحيدة وقتها- مقالا بعنوان "هيكل وعبد الناصر" تعقيبا على عدة دراسات عن دور وتأثير السلطة فى الصحافة، ولكن ما كتبته كان أمرا عكس كل ما تريد تأكيده الدراسة الرائعة الذي يؤسفنى نسيان اسم الباحث الذي بدأ الدراسة منذ الإغريق وصولا للعصر الحديث الذي كان نهاية الستينيات، يهمنى هنا أننى كتبت إذا كان للزعيم جمال عبدالناصر فضل على مكانة حسنين هيكل الصحفية فإن الكاتب والصحفى الموهوب المثقف محمد حسنين هيكل كان له دور مهم للغاية في إنجاح جمال عبدالناصر من خلال شيئين..

الأول المعلومات التي كان يوفرها دائمًا في شتى المجالات العامية والمحلية، وهذا أمر ليس بالقليل للثورات التي يقودها شباب في أوائل الثلاثينات، وكان هيكل يعد منجما غنيا لجمال عبد الناصر وبذكاء ناصر أخذ منه كما أراد، الثانى هو المستشار المؤتمن لدى ناصر فى كل أزمة ستجد لهيكل رأى حتى ولو ينفذه جمال عبدالناصر.

وفى نفس الوقت أي النصف الأول من الثمانينيات وأثناء عملى في سلطنة عمان، استغرقتنى كتابات هيكل، حرب السويس، وخريف الغضب، وبين الصحافة والسياسة، وهنا أذكر كتاب كم عمر الغضب للمفكر اليسارى د.فؤاد زكريا وهو رد على كتاب خريف الغضب لهيكل، ومن هذين الكتابين تعلمت درس من أهم دروس حياتى، وهو ألا أتعصب لرأى مخلوق مهما كان لأنه في النهاية رؤية تخضع للصحة والخطأ، وما تملكه أنت على غيرك قد يملكه غيرك عليك، وإذا كان هيكل علما في الإعلام فإن د.ذكريا عالم وعلم وأحد مفكرى اليسار.

أعتبر نفسى ابن الأهرام بالرغم من أننى  لم أعمل بها، ولكن تدربت لسنوات وتعلمت أصول الصحافة من كل كبارها أحيانا بالسماع وأحيانا بالمراقبة وأيضًا بالممارسة وأذكر هنا كلمات قالها الصحفى محمود معوض ولم أكن أعرفه في عام 77 في كافتيريا الدور الرابع:

أي كلمة لأستاذنا حتى لو كانت على ورقة مرمية على الأرض هاشيلها في عنيا..! للعلم كان ممنوعا اسم هيكل أن يتردد بين الصحفيين حتى لا يغضب الرئيس السادات!!

وطبعا أثناء انبهارى بأهرام السبعينيات وكنت مازلت طالبًا قلت للراحل الأستاذ محمود فايد أنا معجب جدًا بالجمال ده..! قال محمود فايد: في زمن الأستاذ -هيكل- كنت تسرح شعرك في أرض الجريدة ! على فكرة كانت هناك أصول في كل شىء حتى في الملبس والصوت المنخفض لازم.. إلخ التي لم تعد موجودة على الإطلاق الآن.

أريد هنا التنبيه من ظاهرة الحرافيش، هل نتذكر حرافيش نجيب محفوظ ؟ نعم أصدقاء الكاتب الكبير نذكر على سبيل المثال الفنان أحمد مظهر والمخرج توفيق صالح.. إلخ، وكثيرون في جميع المجالات كانوا من عشاق جلسة وحوارات أديب نوبل، ولكن قبل رحيله بسنوات قليلة وبعد رحيله، تصورت أحيانًا أن نصف مصر كانوا حرافيش نجيب محفوظ ونحن لا ندرى، فقد سمعنا العجب وحكايات غريبة الشكل وكأن هذا الشخص هو الأقرب لنجيب محفوظ..

أذكر موقفين لأحد هؤلاء الذي تحدث أمامى عن نجيب محفوظ بشكل غير محترم، لدرجة قال إن نجيب محفوظ كان يوقع فقط على سيناريوهات أفلام لم يكتبها من أجل الفلوس فقط، هذا الأديب البرلمانى الآن تخلف عن احتفالية عن رحيل نجيب محفوظ، الغريب هنا أمام كاميرا التليفزيون نجد هذا الحرفوش يحكى ويحكى ويكاد يبكي من كثرة ارتباطه وعشقه لأستاذه، وحرفوش آخر غضب من نجيب محفوظ لأنه لم يختره لاستلام جائزة نوبل، فرد أديب نوبل قائلا: محمد سلماوى بيعرف لغات وأنت لأ!! فرد الحرفوش: ولكن أنا أغلى عندك من سلماوى! فرد أديب نوبل بخفة دم مصرية مدهشة قائلا: على الغلاوة كنت اخترت أمى..!!

أريد الإشارة إلى أن هيكل لديه أيضًا حرافيش ولكن من نوع آخر فكل من تحدث معه تليفونيًا سنجد أنه الصديق الصدوق لهيكل، وسنسمع حكايات غريبة، وأذكر هنا كلمات نشرت له في الصحافة اللبنانية لها ارتباط بما نتحدث، قال محمد حسنين هيكل أننى أتعجب من صحفى لم يلتق بجمال عبدالناصر سوى مرة نصف ساعة فإذا به يغرق السوق بكتب عن عبدالناصر توضح العلاقة بينهما..!

انتظروا حرافيش هيكل والكتب التي ستغزو السوق.. وأتصور أننى عاشق ومحب لهذا الرجل الذي جعلنى أحب الصحافة وأتمنى أن صحفى، ولكن لم أر هيكل إلا مرة واحدة في النقابة وكانت دهشتى عندما كان يتقدم للسلام على الموجودين كان يردد بتواضع: محمد حسنين هيكل..!!
هيكل بيعرف الصحفيين بنفسه!
رحم الله هيكل الصحفي الأول في القرن العشرين وأيضًا في القرن الواحد والعشرين..!
الجريدة الرسمية