رئيس التحرير
عصام كامل

هل تفلت لبنان من الحرب الأهلية؟


بينما ينشغل المصريون بقضية استمرار انتهاكات حقوق الإنسان والتي كان آخرها انتهاك حرية الكاتب حسام بهجت، فتم منعه من السفر دون تهمة، قد يفيق المصريون على فوضى إقليمية جديدة تنطلق من لبنان.. ورغم أن البعض قد لا يرى فيما يحدث شئيًا غريبًا، فإن طبيعة الصراع السياسي في لبنان، وطبيعة الصراع الإقليمي حول لبنان تؤكدان أن لبنان على حافة حرب أهلية.


ولعل الأخبار التي أكدتها الصحف اللبنانية عن مطالبة دول السعودية والبحرين والإمارات رعاياها مغادرة لبنان وعدم السفر إليها تشير إلى إحتمالات وقوع حرب أهلية في لبنان، أو على الأقل أحداث عنف قد تتطور إلى حرب أهلية.

المواقف السياسية تبدو عادية في لبنان ولكنها تغلي على نار هادئة.. آخر هذه المواقف السياسية موقف فريق 14 آذار الذي أصدر بيانًا أعلن من خلاله عن تأييده الكامل الملكة العربية السعودية، من بين مواقف قوى 14 آذار أيضًا تصريح سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، الذي طالب بتشكيل فريق وزاري للسفر للسعودية للاعتذار عما بدر من بعض القوى السياسية في لبنان، وبخاصة "حزب الله"، ومطالبة السعودية بإعادة تفعيل المنحة العسكرية التي أوقفتها المملكة والمقدرة بنحو 3 مليارات دولار.. بيان قوى 14 آذار حمّل "حزب الله" ووزير الخارجية، جبران باسيل، الذي يمثل التيار الوطني الحر -حليف حزب الله- مسئولية تويتر العلاقات اللبنانية- السعودية.

وحتى يمكن للقارئ أن يرى الصورة بشكل أوضح، وبخاصة أن السياسة في لبنان معقدة، اسمحوا لي أن أطرح سؤالين تمثل إجابتهما توضيحًا لصورة "شبح الحرب الأهلية" التي تسيطر على لبنان حاليًا.. السؤال الأول عن أسباب ظهور "شبح الحرب الأهلية"؟ والثاني يرتبط بالسيناريو المتوقع حدوثه حال تحول الشبح إلى حقيقة؟

كيف ظهر "شبح الحرب الأهلية" في لبنان؟
شبح الحرب الأهلية لم يظهر فجأة ولكنه بات أكثر وضوحًا حتى أن موقع "الصباح نيوز" نشر بيان 14 آذار ضد حزب الله معنونًا الموضوع بعبارة "لبنان على صفيح ساخن".

شبح الحرب بدأ مع هجوم الأمين العام لحزب الله -السيد حسن نصر الله– المتواصل على السعودية، ثم الانقسام الذي حدث في صفوف فريق 14 آذار وتنازل سمير جعجع –رئيس حزب القوات اللبنانية– عن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية بل ترشيح خصم 14 أذار وحليف حزب الله، الجنرال ميشيل عون لرئاسة لبنان.

خوف اللبنانيين من تحول شبح الحرب الأهلية إلى حقيقة يعود لمجموعة من الأسباب: أولها، شعور المملكة العربية السعودية بضعف مواقف الموالين لها، وبخاصة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي رأت السعودية أنه لا يسيطر على فريق 14 آذار.

ثانيًا: الانقسام الذي حدث بين سعد الحريري ووزير العدل المستقيل، أشرف ريفي، والذي استقال لضعف موقف تيار المستقبل ورئيسه تجاه حزب الله.. بزوغ نجم اللواء أشرف ريفي –ابن مدينة طرابلس– يشير إلى أن المملكة العربية السعودية قد تنقل زعامة السنة في لبنان من آل الحريري في صيدا، إلى آل ريفي في طرابلس، حيث الأغلبية السنية.

ثالثًا: وهو الأهم هنا، إنه لم يكن هناك جديدًا في الصورة السياسية اللبنانية خلال الأيام الماضية، بخلاف استقالة وزير العدل –بل تم استغلال إيقاف السعودية لمنحة المساعدات العسكرية التي كان أقرها الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله– وتوقفت في عهد الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز.

خبر وقف منحة المساعدات العسكرية لم يكن جديدًا بل كان متدوالا عبر أسابيع، لكن تم التعويل عليه بشكل اعتباطي حتى يتمكن فريق 14 آذار من تحميل حزب الله مسئولية توتر العلاقة مع المملكة العربية السعودية بل العودة إلى الوراء، وأنه –أي حزب الله– ووزير الخارجية مسئولان عن خروج لبنان عن "وحدة" الصف العربي بالإمتناع عن التصويت على قرار جامعة الدول العربية بإدانة إيران لعدم حمايتها السفارة السعودية بطهران من الذين أشعلوا النار فيها.

رابعًا: تشير بعض المصادر إلى أن استمرار حبس أمير سعودي بتهمة محاولات تهريب كميات كبير من أقراص "الكابتجون" المخدرة، يشير إلى ضعف تأثير المملكة في الداخل اللبناني، وأن صنع القرار في لبنان حتى وإن بدا وكأنه في يد مجلس الوزراء، فإن مجلس الوزراء ورئيسه لا يستطيعان اتخاذ قرار قد يثير أزمة سياسية في لبنان إذا قرر الإفراج عن الأمير والسماح له بالسفر.

خامسًا: ظهور أحد أقطاب تكتل 8 آذار، الوزير السابق وئام وهاب، وهجومه في مؤتمر صحفي على تكتل 14 آذار وعلى المملكة العربية السعودية.

ما هو السيناريو المتوقع؟
السيناريوهات متعددة، أولها أن تتخذ المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي –التي تؤيد مواقف السعودية– إجراءات لطرد اللبنانيين العاملين في هذه الدول، وقتها سيحدث انقسام مسيحي–مسيحي في لبنان، ثم فتنة سنية -شيعية.

السيناريو الثاني، أن يتخذ تيار المستقبل وتكتل 14 آذار إجراءات تصيعدية –كما قال البيان– ضد حزب الله بما يؤدي إلى اشتعال فتنة سنية – شيعية.

السيناريو الثالث، أن يحدث شيئًا ما في لبنان، لتقوم السعودية على إثره بإرسال بعض من قواتها التي قالت إنها ستوجد في سوريا إلى شمال لبنان.

وأيًا كان السيناريو الذي يمكن أن يحدث، فإن مجرد ظهور شبح الحرب الأهلية قد يفجر الحرب، وقتها لن تكون حربًا بين لبنانيين بل صراع نفوذ على هذا البلد الصغير الذي شاخ من كثرة النزاعات والنعرات الطائفية التي ألمت ومازالت تلم به.
الجريدة الرسمية