ماذا يريد الإعلاميون المصريون من الشقيقة مصر!!
قبل ثورة يناير كان الإعلام في حضن السلطة وأصبحت الصحف القومية والإعلام الرسمي ناطقين باسم النظام والحزب الحاكم، وكلما كان الإعلامي أقرب إلى رئيس الجمهورية كان الأوفر حظًا وصاحب سطوة حتى على الوزراء أنفسهم، بل وصل الأمر إلى أن بعض إعلاميي السلطة كانوا يستطيعون تعيين الوزراء والمحافظين، وكانوا يكتبون لقارئ واحد فقط هو رئيس الجمهورية، ولا يهمهم الشعب كله، ولذلك تراجع الإعلام القومي الرسمي وحقق خسائر بالمليارات، وحتى اليوم لا يستطيع تسديد ديونه ويحاول استعادة ثقة القارئ؛ لأنه كان إعلاما منافقا على طول الخط..
وبعد يناير 2011 وفي ظل الفوضى التي مرت بها البلاد، وحتى يتخلص الإعلام من سمعته السيئة في النفاق ومع انتشار الفضائيات والصحف الخاصة والمستقلة تحول إلى إعلام أسوأ، وهو العداء للسلطة حتى يبرئ ذمته، تحول من صديق إلى عدو وكلاهما خطر، بل الإعلام العدو أخطر لأنه بقصد أو دون يسهم في هدم الدولة في أصعب ظروفها..
إعلامي اليوم تحول إلى وكيل نيابة ويعتبر المسئول متهمًا وليس من حقه حتى الدفاع عن نفسه، وأصبح الإعلامي عدوا للمسئول والعكس، والمنافسة بين الإعلاميين بعضهم البعض على اصطياد الأخطاء للمسئولين وإقالتهم من مناصبهم، لا يوجد دولة في العالم فيها 350 برنامجا تليفزيونيا يوميًا إلا مصر معظم هذه البرامج وأشهرها تبحث عن كل ما يسيء للبلد ويهين أبناءه في الداخل والخارج، وكأنه لا يوجد فيه إنجازات تستحق أن يراها المواطن على الشاشة تمنحه الأمل في مستقبل أفضل..
مسئول كبير في وزارة التعليم العالي حكى لي أن أسرة حاكمة في إحدى الدول الخليجية كانت تفضل لبناتها تعليم الطب في قصر العيني بدلا من أوروبا وأمريكا حفاظًا على تقاليدهم كمجتمع شرقي إسلامي ولكنها تراجعت بعد أن عرض برنامج "العاشرة مساءً" واقعة تحرش لأستاذ بقصر العيني بإحدى الطالبات، وكانت النتيجة إلغاء الاتفاقية وضياع ملايين الدولارات على الدولة، مؤكد هو سلوك مشين من أستاذ الطب ولكنه الاستثناء وليس القاعدة فلماذا يُعرض على الهواء؟ وهناك مئات الآلاف من أساتذة الجامعات يحملون الوطن على أكتافهم لم ولن تهتم بهم برامج التوك شو..
مصر لن تشهد أي تقدم في ظل هذه الفوضى الإعلامية الحالية، يجب أن يشعر الإعلامي بأنه شريك في تحمل المسئولية وليس على رأسه ريشة حتى يقول ما يشاء وقتما شاء دون أدنى اعتبار لمصلحة البلد وأمنها القومي وأن السعي وراء الإثارة والسبق الإعلامي لا يكون على جثة الوطن، الإعلامي الذي يتقاضى ملايين الجنيهات سنويا وهو جالس في الاستوديو المكيف طوال الليل وينام طوال النهار عليه أن يخرج بكاميراته إلى الشارع حتى يكون متابعا ومراقبا وشاهدا وينقل الحدث من على أرض الواقع بسلبياته وإيجابياته..
لو أن إعلاميي اليوم وضيوفهم كانت لديهم في عهد الرئيس مبارك ربع الشجاعة التي يتحدثون بها الآن ما كنا وصلنا إلى هذا الحد المزري والمساوي في معظم مؤسسات الدولة، هذه الشجاعة الغائبة في عهد مبارك والتي أضرت البلد في ذلك الوقت، ظهورها الآن عن جهل يدمر أيضًا الوطن لأنه محبط للمواطن والمسئول..
يجب إعادة صياغة العلاقة بين الإعلام والمسئول على أساس الشراكة بعيدًا عن الحب والكراهية هذا إذا كانت لدينا الإرادة الحقيقية لبناء بلدنا.
egypt1967@yahoo.com