رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى أمين.. صحفي يوم القيامة «بروفايل»

فيتو

نهر الصحفي لم ولن ينضب، على ضفافه يشبع المصريون بأمانة كلمته ومسئوليته التاريخية وعشقه الكلمة، فكان لـ«الكاتب الصحفي الراحل مصطفى أمين» نصيب الأسد ممن حصده أبناء هذا الوطن من نضال الصحفيين، هنا روح صمطفى وعلي أمين «محراب الصحافة» هنا مؤسسة «أخبار اليوم».




البداية

داخل بيت لم يكن بعيدًا عن الساحة السياسية، ولد مصطفى أمين يوم 21 فبراير 1914، لأب هو المحامي الشهير «أمين أبو يوسف»، وأمه «خالها الزعيم سعد زغلول»، ليسجل يوم 21 فبراير 1914 مولد أحد العباقرة الذين استولت الصحافة على عقولهم وحياتهم.

«الصحافة هي ما يريده الشعب لا ما يريده الحاكم».. قاعدة صحفية وضعها «مصطفى»، الذي اشترك مع توءمه «على» في إنشاء عدة صحف صغيرة منها جريدة البالوظة التي عطلتها الحكومة، ثم اشترك في تحرير مجلة الرغائب 1929، وتوقف فكان انتقاله إلى مجلة روز اليوسف ليصبح أصغر نائب رئيس تحرير لمجلة قوية؛ إذ أصبح في هذا المنصب وهو في المرحلة الثانوية، وبعد عام واحد فقط من عمله 1931، سطع نجمه بسرعة كبيرة في الوسط الصحفي.




أخبار اليوم

ترك الصحفي الشاب «روز اليوسف»، والتحق بكلية الحقوق عام 1935، ليحصل بعدها على الماجستير في العلوم السياسية والاقتصاد والصحافة عام 1938، ويعود إلى القاهرة ليرأس مجلة «آخر ساعة».

«السجن ليس بعيدًا عن الكاتب الصحفي».. هكذا تعلم «أمين» ليدفع ثمن مواقفه، فكانت البداية مبكرًا عندما حُكم عليه بالسجن مع الشغل لمدة 6 أشهر وهو ابن الـ24 عامًا، وتم إيقاف تنفيذ الحكم ووقف مجلة آخر ساعة لمدة 3 أشهر، وكانت التهمة هي العيب في الذات الإلهية.

«كنا دائمًا نفكر في الغد لم نعش في الأمس أبدًا.. كنا نكتب أحلامنا على الورق ونحاول تحقيقها.. كنا نكتبها في مفكرة ونسجل في صفحة أول يناير ما نتمنى أن نصنعه في آخر يوم في ديسمبر.. والغريب أن أحلامنا جميعها تتحقق كما تمنيناها».. كلمات أخرى للكاتب الراحل لخصت قصة «مصطفى أمين» مع أخيه اللذين قررا عام 1941 تأسيس جريدة «أخبار اليوم»، ثم شراء مجلة آخر ساعة، وفي 1952 تم إنشاء الأخبار اليومية التي صارت أقوى المؤسسات الصحفية في مصر.

«1951» يظل عامًا فاصلا في حياة «مصطفى»، بعد إلقاء القبض عليه 26 مرة بتهم تراوحت بين تكدير السلم العام، والعيب في الذات الإلهية، والتعامل مع دول أجنبية، وكل مرة يخرج بعد أيام قليلة من القبض عليه، إلى أن قامت ثورة يوليو 1952 ليبدأ فصل آخر من حياته الصحفية. 

في الوقت الذي كان «يوسف صديق»، يحاصر قيادات وزارة الحربية منذرًا بقيام ثورة 23 يوليو، كان مصطفى وعلي أمين على قوائم الذين تم توجيه تهمة الخيانة لهما، ليتم إلقاء القبض عليهما لـ3 أيام فقط قبل أن يخرجا بعدها يمارسان عملهما الصحفي في جريدتهما، وهما لا يعرفان سبب إلقاء القبض عليهما تلك المدة القصيرة.

مصطفى أمين وثورة يوليو


علاقة مصطفى أمين بالزعيم جمال عبد الناصر، أخذت خطًا بيانيًا شديد الاختلاف، فخلال أزمة 1956، وعندما قام أمين بدور كبير في التقاط صور للعدوان الثلاثي على مصر وبشاعته وتوزيعها على صحف العالم أجمع، في خطوة كان لها أكبر الأثر في إظهار ما يحدث بمصر، تحسنت علاقته بالنظام، ثم تمر السنوات ويجد الصحفي الكبير نفسه محكوما عليه عام 1965، بالسجن بتهمة «الجاسوسية». 

أن يبعد مصطفى أمين عن «أخبار اليوم» كمن يريد من السمكة أن تعيش خارج الماء، هكذا جاء قانون تنظيم الصحافة، وتأميم أخبار اليوم ليبتعد عنها «أمين» لأول مرة لمدة 3 سنوات، ثم يعود رئيسًا لمجلس إدارتها ثم مشرفًا عامًا لتحريرها.

اتهامه بالجاسوسية كانت القشة التي قصمت ظهر «مصطفى أمين»، وكان لصلاح نصر رئيس المخابرات الحربية آنذاك، دور كبير في هذه الخطوة، متهمًا إياه بالعمل لصالح المخابرات الأمريكية، وعلى إثرها دخل السجن، فيما يؤكد الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، أنه طالب الرئيس جمال عبد الناصر بإطلاق سراحه إلا أنه رفض، فيما كانت رواية «أمين» أن ناصر نفسه كلفه بالتواصل مع الأمريكيين ليكون همزة الوصل بينهما. 

«الكلمة نور ولا يمكن حجبها»، منطق آمن به «أمين» داخل ظلمات سجنه، فألف الرجل مجموعة كتبه التي شملت سنة أولى سجن، وسنة ثانية سجن، كما استطاع أن يهرب 10 آلاف ورقة رسائل إلى ابنته التي أخرجتها في كتاب رسائل مصطفى أمين إلى صفية. 


الوصية

عام 1972 تم الإفراج عن مصطفى أمين بعفو صحي من الرئيس السادات، ليعود إلى عمله في جريدة الأخبار وإلى مقاله «فكرة»، الذي تفرغ له ليحمل أفكاره في الصحافة والسياسة والفن، خصوصًا أنه كان على علاقة قوية بالفنانين وعلى رأسهم أم كلثوم. 

«لا أتصور أني أعيش يومًا بغير قلم» فقد كان هذا القلم دائمًا صديقي وحبيبي أعطيته وأعطاني، عشقته وأخلص لي، وعندما أموت أرجو أن يضعوه بجواري في قبري فقد أحتاج إليه إذا كتبت تحقيقا صحفيا عن يوم القيامة، هكذا كانت علاقة أمين بالصحافة قبل أن يودعها في عام 1997، عن عمر يناهز 83 عامًا، وتم تأسيس جائزة باسمه لتكريم الصحفيين بشكل سنوي.
الجريدة الرسمية