تعقيدات القرن الأفريقي من «باديمي إلى أوغادين».. متى الحل؟
يعتبر القرن الأفريقي أحد أهم مناطق أفريقيا الإستراتيجية من خلال ما يمتاز به من موقع غني بالثروات المعدنية والطبيعية.
كما أنه يعتبر، من الناحية الأمنية، أحد أكثر مناطق أفريقيا تناحرًا، وأكثرها قابلية للانفجار الذي قد يحصل بطريقة عشوائية وغير متوقعة، وليس عام 1998 ببعيد، حينما اندلعت الحرب الطاحنة من أجل منطقة باديمي بين إثيوبيا «زيناوي» وإريتيريا «أقورفي»، بعشوائية غير متوقعة، فاجأت حينها المجتمع الدولي بأكمله.
المشكلة في القرن الأفريقي، لا تقتصر على العلاقة المتوترة بين إثيوبيا وإريتيريا، لكن التداخلات والتشاحنات متواجدة ومتعددة في العلاقة بين كل دول المنطقة تقريبًا، وحتى داخل حدود كل دولة، هناك انقسامات حادة، بين مختلف المناطق والطوائف والقبائل والأعراق، فالعقل المجتمعي في المنطقة لم ينصهر بعد، مع مفهوم الدولة الوطنية، التي حاولت فرضها حكومات المنطقة بالقوة خصوصًا حكومات سياد بري في الصومال، وهيلاسيلاسي وبعده منجستو في إثيوبيا، بعد الخروج من الاستعمار الأجنبي في النصف الثاني من القرن الماضي، ولم يصل النضج الشعبي بعد، إلى مرحلة قبول فكرة الوحدة التي تجمع بين كل أطياف الشعب، والمواطنة البعيدة عن الحسابات القبلية والعرقية الضيقة.
ومن الأمثلة، الأكثر وضوحًا، على التعقيدات العميقة في المنطقة، نستطيع الاستدلال بما حدث سنة 1991، حينما تنبأ معظم المتابعين بأن السلم سيحل في المنطقة بعد سقوط أنظمة الأعداء المتخاصمين، في الصومال «سياد بري» وفي إثيوبيا «منجستو».
يذكر أن إثيوبيا كانت تضم داخل حدودها إريتيريا غير المستقلة حينها، وإزدادت القناعة بالإنفراج في المنطقة، خصوصًا مع إستيلاء "الجبهة الديمقراطية الثورية لشعب إثيوبيا" بقيادة "ملس زيناوي" على الحكم في إثيوبيا، وهي التي ترتبط بعلاقات سياسية ونضالية قوية "بالجماعة الشعبية للتحرير الإريترية" التي يرأسها "أقورفي"، هذا بالإضافة إلى أن "زيناوي" و"أقورفي" ينحدران من نفس القبيلة "التيجراي"، ورغم أن هذه العوامل سهلت وساعدت في مرحلة أولى بإستقلال إريتيريا سلميًا سنة 1993، في مرحلة، عرفت علاقات مميزة بين إثيوبيا وإريتيريا، تزامنا مع الفوضى الكبيرة التي حدثت في الجارة الصومال بعد سقوط نظام "سياد بري"، والتي حولت الصومال إلى دولة فاشلة وفوضوية.
لكن، شهر العسل هذا، لم يدم طويلًا، بين إريتيريا وإثيوبيا، حيث بدأت المناوشات حينما تم رسم خط الحدود «الإثيوبية-الإريتيرية»، التي عرفت إدخال منطقة "باديمي" ضمن إطار الحدود الإثيوبية، فبدأت التوترات من طرف إريتيريا بمطالباتها لمنطقة "باديمي"، لتتحول الأمور، وتتطور الأحداث بعدها إلى حربٍ عسكرية قل نظيرها "حديثا" بين جيشين نظاميين، في عصر حروب الوكالة "البروكسي وار"، مما أدى إلى مفاجأة المجتمع الدولي بأكمله حينها.
ورغم أن الحرب بين البلدين لم تدم طويلًا "سنتين"، إلا أنها أدت إلى خسائر ضخمة عند الطرفين، ومع هدوء جبهة "باديمي" منذ سنة 2000، وإزدياد التدهور الكبير في الصومال، بدأت مشكلة أخرى في الظهور حول إقليم "أوغادين"، و"أوغادين" تعتبر مقاطعة تابعة لإثيوبيا إداريًا وحدوديًا، وقريبة من الصومال عشائريًا وجغرافيًا، وتختلف مطالب المتمردين بها، بين من يريد الانضمام إداريًا لدولة الصومال، وبين طرف آخر يريد الإستقلال التام عن إثيوبيا وعن الصومال معًا، وهذا التيار الأخير المشجع لتحول "أوغادين" إلى دولة ذات سيادة، يبدو أنه صاحب الصوت الأعلى حاليًا، تتصدره "جبهة التحرير لأوغادين" التي يتزعمها الأدميرال "محمد عمر عثمان"، خصوصًا، أن الفشل الذي تعرفه دولة الصومال لم يعد يغري الأوغاديين بالانضمام إليها.
ويبقى عدم الاستقرار السمة الأبرز في المنطقة، حيث من جهة طموحات إريتيريا التوسعية، ومن جهة أخرى رغبات أوغادين في الحكم الذاتي، ومن جهة ثالثة تعطش إثيوبيا للوصول إلى المياه المالحة، أما الصومال تعرف تشتتًا داخليًا عنيفًا حولها إلى دولة فاشلة، وتبدو جيبوتي ذات المساحة الصغيرة الأكثر إستقرارًا إلى غاية الآن، رغم التشاحنات الموجودة مع إريتيريا المتهمة بتحريض قوى جيبوتية داخلية، ومع هذه التأزمات الكبيرة التي تعرفها المنطقة، والحسابات المعقدة، يبدو أن الحل لا يزال صعبًا وطريقه يبقى مفتوحًا وطويلًا.