رئيس التحرير
عصام كامل

كلام في مصرع «روجينى»!


صحيح..ليها حق الخارجية المصرية تستغرب اتجاهات الجدل في موضوع الطالب الإيطالى القتيل "لوجيو روجينى".

حالة تعمد شديد بالترصد واستباق نتائج التحقيقات. حالة مش خالصة مع سبق الإصرار. محاولات واضحة مستميتة لإلصاق التهمة بأجهزة الأمن. رغبات حثيثة في تأكيد مسئولية الشرطة في العملية، مع أنه إن جيت للحق،القتل بهذه الطريقة، وإلقاء جثة القتيل بهذه الكيفية ليس فكرا أمنيا، ولا طريقة مؤسسات قمعية.


استغلال الحادثة لخلق رأى عام ضد المؤسسة الأمنية واضح أيضا،محاولة البعض ركوب القصة، ولى عنق التفاصيل لإدانة الدولة واضح أيضا.

إذا كان موقف "نشطاء" نظموا حملات لإدانة مقتل الطالب أمام سفارة بلاده كان غريبا.. فإن صحفا مصرية كان موقفها أغرب.هتسأل عن الأسباب هيقولك: انتصار لحقوق الإنسان.

لكن لا القصة حقوق إنسان، ولا الحكاية انتصار للمواطن المصرى. الموضوع أعمق، وأكبر، وأوسع من حقوق الإنسان.

على المانشيت نشرت جريدة الشروق عنوانا بالبنط العريض، ترجمة لتقرير نشرته النيويورك تايمز بالتزامن مع ميعاد لقاء مادلين أولبرايت والرئيس السيسي. في التقرير نقلت النيويورك تايمز،عن مصادر مجهولة في مصر، تأكيدات بتورط الشرطة في اختطاف الطالب الإيطالى.

قالت إن شهود عيان لاحظوا رجال أمن مصريين، يصطحبونه قبل ساعات من إعلان اختفائه. لما نفت إيطاليا الكلام، وشككت الصحف الإيطالية في صحة كلام الأمريكان، وقفت الصحيفة في صف السُكتم بُكتم.

المصرى اليوم هى الاخرى، ترجمت عن صحف أجنبية، كلاما في اتجاه مقتل الطالب على أيدي المؤسسة الأمنية في مصر. الفترة الأخيرة تلاحظ مصطلح المؤسسة الأمنية في بعض الصحف المصرية. العادة أن تقول صحفنا "الشرطة"..تقول "الأمن"، لم تعتاد الصحافة المصرية استخدام مصطلحات "المؤسسة الأمنية" على غرار التمسيات الأوروبية.

بعض صحفنا دست السم في العسل. المحاولات في المصرى اليوم أوضح. أغلب ما نشرته تلك الصحيفة يسير في اتجاه إدانة الأمن.الإدانة الآن مستغربة.الإدانة الآن بدرى عليها.

المصرى اليوم ألمحت إلى ربط أهل القتيل بين واقعة اختفائه،وبين انزعاجه في آخر اتصال من تتبع الأمن المصرى لنشطاء عماليين. عشرات الطلاب الأجانب في مصر يدرسون الحركات السياسية، والحركات المعارضة، والأحزاب، وصراع بعض مؤسسات المجتمع المدنى، والدولة. لماذا الإصرار مبكرا على ربط الواقعة بمجال دراسة "لوجينى" والعثور على جثته مقتولا ؟

غريبة أن تترك دولة قمعية بوليسية، رموز ورءوس الحركات العمالية المعارضة على أراضيها، ومن مواطنيها، لتخطف طالبا أجنبيا، وتجرده من ملابسه ثم تلقى بالجثة على الطريق العام غير مهتمة بالنتائج والتداعيات !

لما كذب رسميون إيطاليون التقارير الأوروبية،امتلاْ فم تلك الصحيفة بالماء. لما كذبت الصحف الإيطالية أحاديث شهود العيان، وقالت إن الطالب راسل خطيبته، وهاتف أصدقاءه بعد توقيت "القبض عليه المزعوم"، تجاهلت الشروق و المصرى اليوم الخبر.

نشطاء كثيرون تجاهلوا أيضا، وأشعلوا مواقع التواصل الاجتماعى،قبل وبعد زيارة أولبرايت. تقارير قالت إن مادلين أولبرايت سألت الرئيس السيسي عن المستجدات في واقعة "لوجيو روجينى" فرد الرئيس بأنه سيسأل معاونيه عن الاسم الذي هو متأكد أن سبق وسمعه.

لو كان الرئيس قد فعل هذا، فعنده حق.عندك مليون حق ياريس. المرور من مثل تلك الأزمات في حاجة إلى فطنة وكياسة. المؤمن كيّس فطِن. والرئيس كيّس فِطن. عشرات الشهداء من المواطنين المصريين يموتون يوميا من الإرهاب، ومن القنابل محلية الصنع ، وأولبرايت تساءل عن الطالب الإيطالى.مئات من شهداء الجيش والشرطة يمددون على الأسفلت في سيناء يوميا، والقاتل معروف، بينما يتكلم النشطاء عن المصالحة مع الإخوان، ويفضلون الوقفات الاحتجاجية دعما لأسرة الإيطالى القتيل.

الاتجاه لتوريط مؤسسات الدولة عاد من جديد. موجات شيطنة المؤسسات الرسمية، ظهر مرة أخرى.الوتيرة متسارعة هذه المرة. رغم ما تبين من فخاخ وقعنا فيها في الماضى، ونعانى من آثارها للآن..إلا أن كرة روليت "العداء للدولة"عادت للف من جديد.

لو تبين أغلبنا الفروق الشديدة بين المعارضة السياسية، وبين اتجاهات "هدم الدولة"، نكون قد وضعنا أرجلنا على أولى عتبات الوعى السياسي،في الطريق للديمقراطية.

وضع حادثة الطالب الإيطالى في كفة.. والدولة في الكفة الأخرى غريب. لن يكون الميزان متكافئا..ولا موضوعيا،لو ساوينا بين أمين شرطة منفلت،وبين كيان الدولة في حادثة الدرب الأحمر أيضا.

أن اقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان.. لكن بعضهم يطفف..بحجة الحريات، والطريق للديمقراطية.
ويل للمطففين.
Twitter: @wtoughan

الجريدة الرسمية