رئيس التحرير
عصام كامل

السيسي..ومصيدة«الفيل الأبيض»!


مصيدة "الفيل الأبيض" ليست مقولة حديثة. .فهى مقولة لاقت انتشارًا واسعًا في المجتمعات التي تتمتع فيها"الفيَلّة" بقدسية خاصة.. كالهند وتايلاند.. ولا سيما الفيل الأبيض؛ باعتباره من سلالة نادرة، ويحمل مواصفات خاصة؛ تجعل بعض الشعوب تضعه في مصاف الآلهة.. فعلى ظهره حاول"أبرهة الأشرم"هدم الكعبة؛ لولا أن أرسل الله له "طيرا أبابيل" رَمته بحجارة من سجيل.. وعلى ظهره أسقط"القوط الشرقيون"الإمبراطورية الرومانية.. وحينما تقدم الفيل الأبيض جيش"الفرس".. كاد الفرس أن يهزموا المسلمين؛ لولا أن تمكن المسلمون من قتله.. وفى"الهند" يعامل الفيل في المأكل والمشرب معاملة الملوك.. وفى"تايلاند"يُغسلَه الكهنة بالماء المقدس..وفى"الأدب" كان الفيل بطل الحكايات التي يريد بها الأدباء أن يقدموا النصح لحكامهم.. كما ورد في حكايات الفيلسوف"بيدبا"في كتابه "كلية ودمنة" ومسرحية "الفيل يا ملك الزمان" للكاتب السورى سعد الله ونوس..!


وفى الإدارة استخدم مصطلح مصيدة الفيل الأبيض للتعبير عن"البيروقراطية".. حينما تصبح موضع قداسة من قبل العاملين والجهاز الإداري.. فيعتبر الالتزام بها شرطا أساسيا لهدم النظم الإدارية وإسقاط المؤسسات.. كما تدل في الوقت ذاته على غياب الوعى وعدم القدرة على التصرف والتفكير.. وفى معظم الأحيان تؤشر على ما يسمى بالانغلاق الذهنى، وتوحش البيروقراطية التي على أعتابها تنتحر قدرات الفرد على النقد والإبداع..أو تدفع إلى الانصياع الأعمى وراء روتين وإجراءات لا تفضى إلى شيء سوى الفشل..!

وأفضل استخدامات لمقولة الفيل الأبيض كانت في عالم السياسة؛ للإشارة إلى محاولة إفشال شخص مجتهد، من خلال جماعة معينة، يتعارض وصول هذا الشخص إلى السلطة أو حصوله على الثروة مع مصالح تلك الجماعة.. ونظرا لعدم قدرة هذه الجماعة على المواجهة، فغالبا ما تستخدم "أسلحة"ناعمة تُعَنوّن في بلاد الهند بـ"مصيدة الفيل الأبيض"..!

فلما كان الأثرياء في الهند يحتكرون لقب"مَهراجا".. والمهراجا وهو الشخص الثرى.. بصرف النظر عن منصبه أو حسبه أونسبه.. ولا يخلع أثرياء الهند هذا اللقب، إلا على شخص يريدونه؛ فيسمحون له بدخول عالمهم الخاص وهو عالم "المهرجاونات"..فإذا ما اغتنى شخص ما وفق المؤشر الذي يضعونه هم للثراء.. واستحق عن جدارة لقب"مهراجا" دون رغبتهم؛ فإنهم يسعون للتخلص منه بـ"حيلة"ناعمة؛ فيهدون إليه"فيلًا أبيض".. ونظرا لقداسة هذا الفيل هناك؛ يتعهد المهراجا الجديد برعايته.. فلا يأكل سوى أفخر الأطعمة، ولا ينام إلا في أرقى الفراش، ولا يلبس إلا أغلى الثياب.. فيستنزف"المهراجا"الجديد ثروته في الإنفاق على الفيل؛..ووفقا لقانون"الهند"إذا أفلس الثرى؛ يُسحَب منه لقب"مَهر اجا"..

هكذا تعمل "الدولة العميقة" في مصر.. ويختلف"فيلها الأبيض"من حقبة تاريخية لأخرى.. فقدمته لعبد الناصر مرتديًا ثياب القومية و"الوحدة العربية".. فخسرت مصر السودان.. وأنهى ولايته بهزيمة 67.. وقدمته هدية للرئيس السادات في صورة سياسات"الانفتاح الاقتصادى".. فسقط الاقتصاد المصرى وتفاقمت الديون الخارجية؛ فوقعت انتفاضة الفقراء في 77.. وانتهى حكمه بالاغتيال في 81.. وفى عهد مبارك أهدت إليه الدولة العميقة برامج"الخصخصة" ومشروعات"توشكى"وانتهى حكمه بـ"ثورة"شعبية؛ أفقدته عرشه، وأفضت به وأبنائه إلى السجن..!

أما الرئيس "عبد الفتاح السيسي فكان "فيله" بلون المشروعات القومية العملاقة..التي عملت على استنزاف ما تبقى من موارد الدولة، والقضاء على ما بقى من أمل في نفوس البسطاء والعامة.. في وقت ينزف فيه الوطن، وأوشك أهله على المجاعة.. وعليه ديون خارجية تجاوزت 46 مليار دولار.. وجاءت فيه مصر في ذيل الدول من حيث إشباع المتطلبات الأساسية لمواطنيها..!

وراحت هذه الحاشية تزين الصورة في ذهن الرجل؛ وتُقنعه بأن هذه المشروعات هي المنقذ الوحيد للبلاد.. والضامن الأكيد لارتفاع شعبيته محليًا ودوليًا.. وكانت النتيجة هي انخفاض عائد قناة السويس نحو 300 مليون دولار في 2015م وهو العام الذي افتتح فيه مشروع "التفريعة" الجديدة وتوقعت الحكومة فيه عائد يصل إلى 100 مليار دولار.! فضلًا عن ارتفاع موجات الغلاء ورفع الدعم عن كثير من الخدمات والسلع الأساسية حتى وصل إلى مياه الشرب..وفى اللحظات التي بدأ الشعب بنتظر فيها عائد مشروعاته العملاقة؛ خرج رئيس الوزراء يبشرهم بانتظار "قرارات مؤلمة"..!!

حاشية لا نعلمهم.. ولا نعلم ماذا يريدون بالبلاد.. وإلى أين يذهبون بالرجل..؟ حاشية لا تعرف شيئا عن أولويات التنمية التي تقوم بالأساس على الاحتياجات الحياتية للمواطن.. التنمية التي لايكون في مقدمتها بناء الشاليهات والفنادق والمجمعات السكانية الفاخرة ولا مدن الملاهى.. تنمية تبدأ أولوياتها من بطون الفقراء التي هي أساس الأمن القومى، فتكون الأولوية فيها للقرى الأكثر فقرًا، والتي تجاوز عددها 130 قرية.. وإنشاء مصانع جديدة، وفتح المصانع المغلقة والتي تجاوز عددها 4603 مصانع، تكون الأولوية فيها للمصانع التي تنتج السلع الأساسية للمواطنين. خاصة وأننا نستورد أكثر من 70% من احتياجاتنا..

ومن ثم فإننى أعتقد أن حاجتنا اليوم لـ"الدولار" أكبر بكثير من حاجتنا لفنادق وفيلات وجامعات على شاطئ البحر.. ومن ثم فعلى السيسي أن يعلم بأن"الأرض التي أوشكت على الموت أولى بالاهتمام من الأرض الميتة"..وأن التنمية الحقيقية في أي دولة فقيرة لابد وأن تقوم على"تأجيل إنفاق عاجل إلى إنفاق آجل".. ومن ثم فعلى الرئيس أن يفطن لمصيدة "الفيل الأبيض". وأن يرده للحاشية.. قبل فوات الأوان..!
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية