بروفايل.. بطرس غالي.. «دبلوماسي القرن»
شخصية استثنائية، دبلوماسي مخضرم، وسياسي قدير، واحد من حكماء العصر عرف خصائص الشعوب، أطاح بالجنسيات والحدود وظل فقط مدافعًا عن الإنسان، أدرك الصلة التكاملية بين العلوم والآداب فبات الدبلوماسي الأديب، كان منبرًا متفردًا لنشر قيم السلام والإخاء، حصد المناصب الرفيعة، وذاعت شهرته وتخطت الآفاق، فاستحق أن يكون «دبلوماسي القرن».
تأسيس كلية العلوم السياسية
الدكتور بطرس بطرس غالي، عميد الدبلوماسية المصرية، والأمين العام السادس لمنظمة الأمم المتحدة، الأمين العام للمنظمة الفرانكفونية الأسبق، وأول رئيس للمجلس القومي لحقوق الإنسان، والرئيس الشرفي له حتى وفاته، فهو أحد القامات الدولية، لعب دورًا دوليًا ومحليًا مرموقا، فهو أول من أسس الدبلوماسية المصرية حين شارك في تأسيس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أثناء تدريسه للقانون الدولي والعلاقات الخارجية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة في الفترة ما بين 1949-1977، كبديل متخصص لكلية الحقوق التي كانت المؤسسة الوحيدة المنوطة بتخريج الساسة والدبلوماسيين المصريين.
السياسة الدولية
كان أول رئيس تحرير لـ«السياسة الدولية» وهي مجلة دورية مصرية أكاديمية متخصصة في متابعة الشئون الدولية، تصدر في المنطقة العربية، تركز على الأحداث والقضايا والاتجاهات ذات الطابع الإستراتيجى في العلاقات الدولية، وظل «غالي» في منصب رئاسة التحرير حتى عام 1990.
علم عزام الفرنسية
كان لبطرس غالي الفضل في تعليم وإجادة الدكتور عبد الرحمن عزام، أول رئيس مصري لجامعة الدول العربية اللغة الفرنسية، فقد كان الدكتور بطرس غالي يجيد الفرنسية بطلاقة نظرًا لطبيعة دراسته القانون الفرنسي وتدريسه له في جامعات باريس، وكذلك انحداره من عائلة مصرية أرستقراطية.
صاحب العاصمة المشتركة
في بداية السبعينيات من القرن الماضى، كان للدكتور بطرس غالي العديد من الأطروحات السياسية، أبرزها الولايات المتحدة العربية، وهي فكرة طرحها فترة حكم السادات، وقت الوحدة بين مصر وليبيا، حيث اقترح إنشاء عاصمة عربية تتوسط مصر وليبيا.
معاهدة السلام
وفي أكتوبر عام 1977 عُين بطرس غالي وزير دولة للشئون الخارجية، وصاحب في الشهر التالي الرئيس المصري السابق أنور السادات في رحلته إلى القدس، بعد استقالة وزير الخارجية آنذاك، محمد إبراهيم كامل، احتجاجا على التقارب المصري- الإسرائيلي، وساهم «غالي» في التفاوض على إقامة علاقة سلام بين مصر وإسرائيل، التي نتجت عنها معاهدة كامب ديفيد للسلام وظل في منصبه حتى عام 1991، عندما أصبح نائب رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية.
رئيس قومى حقوق الإنسان
نادي «غالي» بضرورة إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة تعمل على رعاية حقوق الإنسان وتدعم الحريات في مصر، وبالفعل في عام 2003م، أعلنت الحكومة المصرية عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، مؤسسة مستقلة ويترأسها الدكتور بطرس غالي الذي ظل في المنصب حتى تقدم باستقالته عام 2011 ليصبح الرئيس الشرفي للمجلس حتى وفاته.
حكيم أفريقيا
عمل بطرس غالي على توطيد العلاقات المصرية بالدول الأفريقية، واستعادة دورها التاريخي في القارة السمراء، بعد إهمال استمر لسنوات في أعقاب وفاة جمال عبد الناصر، فهو صاحب مقولة «لتر المياه سيصبح أغلى من لتر النفط»، آمن أن مستقبل مصر يرتبط بعلاقات وثيقة مع دول حوض النيل، فكان صديقا لكل زعماء دول الحوض، وكانوا يعتبرونه حكيم أفريقيا وساهم في إبرام اتفاقيات أقرت حقوق مصر المائية وهي تلك التي تستند مصر عليها في المفاوضات مع إثيوبيا إلى الآن، اعتبر أن أمن مصر واستقرارها ينبع من العمل على تنمية واستقرار أفريقيا، وانتهج سياسة الود والتعاون بين أبناء القارة، ورفض سياسة الاستعلاء التي اتبعها بعض القادة والسياسيين تجاه الدول الأفريقية.
الوساطة في الحرب الباردة
كان منصب الأمين العام للمنظمة الأمم المتحدة، في الفترة ما بين 1992- 1996، أهم المحطات في حياة بطرس غالي، كأول عربي يشغل هذا المنصب، عمل بنهج مستقل بعيدًا عن هيمنة الإدارة الأمريكية، دعم غالي بشدة دور المنظمة الدولية في الوساطة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي يتمثل في روسيا والصين، والغربي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، رفض هيمنة الأمريكان على العالم، ولام القوى الأخرى قائلًا "الجبروت الأمريكي لا يرجع إلى القوة الأمريكية بقدر ما يرجع أيضًا إلى استسلام الدول الأخرى، وعدم رغبتها أن تلعب دورا في الشئون الدولية"، ووضع إستراتيجية للتحول الديمقراطي عقب الحرب الباردة.
مجاعات الصومال
تبنى قضايا مكافحة المجاعة في الصومال، ونظم أول حملات دولية في منطقة القرن الأفريقي لمكافحة المجاعة هناك، التي كانت تؤرق العالم من حين لآخر، إلا أنه تعرض لبعض الانتقادات بسبب فشل الأمم المتحدة في منع جرائم التطهير العرقي في رواندا عام 1994.
حرب البوسنة والهرسك
شهدت فترة ولايته للمنصب الأممي عمليات صعبة وطويلة الأمد لحفظ السلام في البوسنة والهرسك، والصومال، ورواندا، حاولت بعض الدول وضع العراقيل أمام نشاط الأمم المتحدة، إلا أن «غالي» اعترف بهيمنة الأمريكان على القرار الأممي وجرائمها في البوسنة ضد المسلمين، وأكد أن الإدارة الأمريكية تحاول تجريف منظمة الأمم المتحدة من مهمتها، والنيل من استقلاليته، وفي 1995 قاد احتفالات الأمم المتحدة بالذكرى الخمسين لتأسيسها.
غالي والقضية الفلسطينية
كان موقف الدكتور بطرس غالي من القضية الفلسطينية أحد الأسباب الرئيسية للإطاحة به من منصبه، ظل يدافع تحت قبه المنظمة الدولية عن حق الشعب الفلسطينى في استعادة أرضه، ندد بالجرائم الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، واستنكر التوسع في العمليات الاستيطانية، فلم يترك محفلا دوليا إلا وعرض القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب العربي، ساند الدبلوماسية الفلسطينية ودعم تحركاتها، ونقم على الموقف الأمريكي المساند للسياسة الإسرائيلية الدموية، كما رفض الهجمات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني آنذاك، كل هذه المواقف حالت دون تمديد رئاسته لفترة ثانية بسبب استخدام الولايات المتحدة لحق "فيتو".
الحرب على العراق
كان غالي، من أشد المعارضين على شن الحرب الأمريكية على العراق ووصفها بالعدوان، وأشار إلى أن أمريكا اتخذت قرارا منفردًا في الحرب وساندتها الإدارة البريطانية، دون أن تهتم برأي المجتمع الدولي، وأكد أن الأمريكان أرادوا الحرب ليس لوجود سلاح نووي كما ادعوا وإنما لأسباب إستراتيجية ولخدمة مصالح إسرائيل، وكان أول المبشرين بهزيمة القوات الأمريكية في العراق.
ورأس بطرس غالي في الفترة من 2003 إلى 2006 مجلس مركز الجنوب، وهو منظمة حكومية دولية للبحوث للدول النامية، وترأس غالي منظمة الفرانكوفونية الدولية بعد عودته من الأمم المتحدة.
مشوار زاخر ومسيرة مشرفة، والصفحات الناصعة في خدمة وطن، كُتبت في تاريخ العظماء بحروف من ذهب، مثلت حالة استثنائية علها لم تتكرر، برحيله انطفأت أهم ثريا في مشكاة الدبلوماسية المصرية المضيئة.