في ذكرى رحيله.. يوسف السباعي عشق الموت وتنبأ باغتياله
قال عنه طه حسين «إنه أمهر أبناء جيله في فن القصة»، ووصفه نجيب محفوظ بـ«جبرتى العصر»، وعندما سألوا أنيس منصور عنه، قال: «إما أن تحبه أو تحبه جدا»، أما توفيق الحكيم، فقال: «أسلوبه سهل، عذب، ساخر، قوى».
إنه يوسف السباعى، فارس الكلمة والرومانسية، الأديب العسكري والصحفي والوزير، ولد في ١٧ يونيو ١٩١٧، واغتيل في ١٨ فبراير ١٩٧٨، عاش على كلمات الحب والسلام، ومات من أجلها، الحب عنده كان دائما، بسمة وحياة، عندما سألوه عن الحياة، قال: «خير لى أن أعيش ساعة بحب، من أن أعيش دهرا بلا حب»، وقال: «أتدرون ما يحملنا على التعلق بالحياة، أتعرفون ماذا يشدنا إليها ويخيفنا من الخروج منها، إنه شيء واحد، الحب».
كل من اقترب منه، قال إن الضحكة لم تغب عن وجهه الوسيم أبدا، كان رقيقا ولطيفا، كان نجم عصره، و«دنجوان» الأدباء، الذي وقعت في غرامه الفتيات، من المراهقات إلى المتزوجات.
حب الموت
كان «السباعى» يرى الموت حبا، كان يحسد الموتى على موتهم، فيقول: «إني أحسد الموتي على موتهم، لأني أرى في موتهم نجاة لهم من حياة كلها تفاهات وسخافات»، ويضيف: «بيني وبين الموت خطوة سأخطوها إليه أو سيخطوها إليّ، فما أظن جسدي الواهن بقادر على أن يخطو إليه.. أيها الموت العزيز اقترب.. فقد طالت إليك لهفتي وطال إليك اشتياقي».
كان الموت قريبا إلى قلبه، يتحدث له وعليه، كأنه زوجة أو حبيبة أو صديق مخلص، حتى وصل به الأمر أن يتنبأ بتفاصيل حادثة اغتياله، التي وقعت في قبرص في 18 فبراير سنة 1978، في أثناء حضوره بالمؤتمر الآسيوى الإفريقي عن الأزمة الفلسطينية، باعتباره وزيرا للثقافة في مصر».
تنبؤ بالاغتيال
قال «السباعى» في مجموعته القصصية «يا أمة ضحكت»: «ماذا سيكون تأثير الموت عليّ، وعلى الآخرين؟ لا شيء.. ستنشر الصحافة نبأ موتي كخبر مثير ليس لأني مت، بل لأن موتي سيقترن بحادثة مثيرة».
وضمن المجموعة كانت هناك قصة بعنوان «بصقة على دنياكم»، تدور حول حياة صبي صغير، يعيش في حي السيدة زينب، معجب بضباط سلاح الفرسان، يحلم أن يكون مثلهم، لكن القدر يجعله صحفيا، ثم يصبح وزيرا، ويهاجمه الجميع، ويدخل في معارك، ثم يتم اغتياله على سلالم مجلس الوزراء، ويتركونه ينزف الدماء حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة. انتهت القصة.
ويخيل لك عندما تنتهى من قراءة «بصقة على دنياكم»، أنك أمام روائي يؤرخ لسيرته الذاتية، من الميلاد حتى الممات، يخيل لك أنك لست أمام أديب يتخيل ويكتب، بل أمام رجل صوفي روحانى، يرى ما لا نراه، ربما نشأته في حي السيدة زينب وقربه من «الحسين»، جعله كذلك.
فالصبي الصغير بالقصة، هو يوسف السباعى، الذي كان ضابطا بالجيش بسلاح الفرسان أيضا، قبل أن يتجه إلى الحياة الأدبية، وهو نفس الصبي الذي أصبح صحفيا ثم وزيرا للثقافة، والذي قتله أعداؤه بثلاث رصاصات في الرأس بقبرص، من قبل جماعة أبو نضال الفلسطينية، بسبب سفره إلى كامب ديفيد مع الرئيس الراحل أنور السادات لتوقيع معاهدة السلام.
بكاء السادات
وعندما علم «السادات» بنبأ اغتياله، انحنت رأسه، وانسابت دموعه، وتحدث إلى وسائل الإعلام بوجه شاحب أضناه الحزن، قائلا: «يوسف لم يكن وزيرا عندى، إنه أخى وأحب الناس إلى قلبي، ولن أترك قاتليه».
وبالفعل أرسل الرئيس الراحل، مجموعة من قوات الصاعقة إلى قبرص، للانتقام من الجناة، إلا أن العملية فشلت، واستشهد العديد من الضباط المصريين، وانقطعت العلاقات مع الحكومة القبرصية، وكانت الصدمة على وجوه الجميع، بسبب مقتل الأديب الكبير، ليتحقق صدق قولنا، إنه أديب عاش على كلمات العشق وحب الناس، ومات من أجل السلام.