رئيس التحرير
عصام كامل

ألا ليت أيام الشباب تعود يوما


صحيح أن الشيوخ أكثر علمًا وفهمًا وفقهًا، أكثر خبرة وتجربة، وأكثر حكمة وعقلا.. لكنهم يفتقدون الحماس والهمة والعزم المتوافر لدى الشباب.. وصحيح أيضًا أنهم أخذوا حظهم ونصيبهم من الدنيا، كل على قدر طاقته وإمكاناته، وبالتالى يمكن الاستفادة منهم -أو من بعضهم- الآن كبيوت خبرة، للاستشارة بما يتفق وعلمهم وخبرتهم وتجربتهم.. من الغبن لهم ولأى موقع تنفيذي أن يتولوا مسئولية تنفيذية، تتطلب ممن يتولاها قدرة وطاقة، وإقبالا على الحياة، وتطلعًا إلى المستقبل، ورغبة في إثبات الوجود، وحرصًا على تحقيق الآمال والأحلام مهما عظمت..


عندما أقارن بين حالى الآن وحالى فيما مضى، بين شيخ هرم بلغ الثالثة والسبعين من عمره، وشاب في الخامسة والعشرين، أجد الفارق ضخمًا.. فيما مضى لم أكن أعرف للطاقة حدودًا.. ربما أظل أعمل في بحثي العلمى لمدة ٤٨ ساعة دون كلل أو ملل، وبتركيز ذهنى فائق.. كنت أسابق الزمن للحصول على هذه الدرجة العلمية أو تلك.. لم أكن أشعر بتعب أو نصب في أن أسافر من أسيوط إلى القاهرة في الفجر، وأمضى ساعات النهار الطويلة في البحث والاطلاع على مرجع ليس متوفرًا في جامعتى، وفى مناقشات مع بعض الزملاء في الموضوع الذي سافرت من أجله، ثم أعود في المساء إلى أسيوط لأصلها في الـ١ صباحًا، فأنام سويعات قليلة، كى أبدأ في الصباح يومًا جديدًا وأنا في منتهى الحيوية والنشاط.. الآن لا أستطيع أن أقوم بـ١٠٪ مما كنت أقوم به أيام الشباب.. لقد اختلف الحال كثيرًا...

كنت في شبابى أصعد جبالا وتلالا لا تقل في ارتفاعها عن ١ كيلومتر، وأسير على قدمى عشرات الكيلومترات.. الآن أنحنى لألتقط شيئًا بصعوبة، وأقوم من رقدتى بصعوبة، وأسير في الطريق على مهل، ولا أستطيع أن أقطع على قدمى كيلومترًا واحدًا.. المرونة، والحيوية، والنشاط انتهى زمنها.. ومن ثم، يجب أن نعترف ونقر بأن لكل زمان رجاله وطبيعة نشاطه، وإلا صدق فينا المثل القائل: "يريدون أن يأخذوا زمانهم وزمان غيرهم".

مهمتنا الكبرى أن ننقب بين الشباب عن العباقرة والنابغين والموهوبين، وأصحاب الكفاءات العالية في هذا المجال أو ذاك، وأن نفتح لهم الأبواب المغلقة، وأتصور أننا بذلك نفيد الشباب ونفيد الوطن.. لقد أخذنا حظنا ونصيبنا من الحياة، فلندع هؤلاء الشباب يأخذون حظهم ونصيبهم أيضًا.

أعتقد أننا لدينا في مصر آلاف وعشرات الآلاف من الموهوبين.. هؤلاء لو مهد لهم السبيل وأزيلت أمامهم العوائق لتولى هذه المواقع أو تلك، شريطة أن يكون ذلك تحت ملاحظة أهل العلم والخبرة، أقول لو تم هذا لأصبحت مصر في أعلى مكانة في مدى زمنى قصير للغاية.

وفى مسيرتهم سوف يخطئون.. وهذا أمر طبيعى وبديهى، فمن منا لا يخطئ؟ المهم أن نكون قريبين منهم، وألا نبخل عليهم بنصيحة، أو توجيه.. سوف يقال إن شباب اليوم يختلفون كثيرًا عن شباب الأمس، وأنهم، وإنهم.. وهذا صحيح، فلكل عصر ظروفه وسياقاته، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية.. لكن هل اقترب منهم أحد؟ هل تحدث إليهم.. أو تناقش معهم مسئول؟ هل عرف أحد فيم يفكرون.. أو بماذا يحلمون؟ لا شىء من هذا حدث أو يحدث، مع ذلك هناك من يصدر أحكامًا قاسية دون معرفة بالحقيقة أو دراية بما يعانونه..

إن شباب اليوم ليسوا مستوردين من دولة أخرى، وإنما هم إفراز ونتاج طبيعي لهذا المجتمع.. فمن هم قدواتهم ومثلهم العليا التي أخذوا عنها قيمهم ؟ ما هي طبيعة النماذج التي رأوها وتأثروا بها وساروا على نهجها؟ هل ولدوا هكذا.. أم هم نتاج تعليمنا وسياستنا وتربيتنا.. بكل ما فيها من حسنات وسيئات وسوءات؟ بعضهم يروننا فاسدين ومفسدين، ومداهنين ومدلسين، ولا نحترم قانونًا، ولا نرعى حرمة.. وللأسف، بعضنا كذلك.. لذا أقول إذا كان ثمة لوم فيجب أن نلوم أنفسنا قبل أن نتوجه باللوم لهم!
الجريدة الرسمية