"لزوم ما يلزم" هزيمة العقل واللاعقل
على مقربة من العام الميلادى الجديد، انصرف ذهنى إلى مسألة مفحّمة بالدعابة السوداء: فشل العقل واللاعقل معاً فى هذه الأمة. لا أصحاب العقول استطاعوا استشراف المستقبل، ولا أولئك الذين يلعبون بالنجوم كما لو كانت كرات فى أزقتهم، بينما الأمة هى دائماً الكرة المفضلة فى ملعب لعبة الأمم.
يبدو أن ساحة العالم العربى، باتت أشدّ أهوالاً من أن يتألق فيها أهل كرة الكريستال والفنجان والورق وضرب الودع وخط الرمل. علم المستقبل صار فى قبضة الأقوياء الذين يضعون أمامهم المسالك والممالك، يجلسون على الأرائك، ويحددون أين يجب أن تدور المهالك.
العرب القدامى كانوا شديدى الإعجاب باستراتيجية تتلخص فى الإقدام . ويقابله الإحجام . الإحجام يتيح للقوي أن يتحول إلى حجّام. الإقدام يعنى الإرادة والقرار والفعل. وهذا الثلاثى هو الذى يجعل القمة تسيّر القاعدة فى الاتجاه النهضوى السليم.
الشعوب والأمم التى لا تستطيع الاستجابة لطبيعة الصراعات فى العالم، تتداعى وتتلاشى، وتتشتت وتتفتت. والأسوأ هو إهمال الوقائع، وعدم إعادة قراءتها لكيلا تتكرر على نحو أشد مأساوية. أذكر هنا واقعتين من المغرب العربى. قبل سنة تسع وثمانين، فكّرت مجموعة من التكنوقراطيين فى الشمال الإفريقى فى وضع أسس علمية وعملية للتكامل بين تلك البلدان التى لها أواصر مشتركة أكثر من أن تعدّ. وكان من بين الدعائم توحيد المناهج والجوازات وغيرها.
لم يدم الحلم طويلاً. والمشروع لا يرضى الغرب طبعاً. فجأة انفجرت فى ذلك العام مجازر الجزائر.
جاء المنصف المرزوقي وارتدى البرنس منطلقاً على بساط الريح إلى بلاد المغرب العربي، داعياً إلى الاتحاد أو الوحدة أو التكامل: حرية التنقل والعمل والتملك والقائمة طويلة. يبدو أن زيارة فرانسوا هولاند ومشروع فتح النار على شمال مالى، قد جبّا ما قبلهما من خطوات وحدوية مرزوقية. وغداً نار يقول بعدها الدمار، أن ليس فى الدار غيره ديّار.
لزوم ما يلزم: المرزوقى قوبل موكبه بثورة حجارة، فمن يقول له.
نقلاً عن الخليج الإماراتية