رئيس التحرير
عصام كامل

النرجسية الدينية ودماء الأبرياء


سيجموند فرويد المحلل النفسي أول من استخدم تعبير النرجسية، والنرجسية لها أشكال متعددة، فهناك شخص نرجسي بسبب مظهره الخارجي وآخر لثقافته، أو بسبب حسبه ونسبه، فالصفة الأساسية للشخص النرجسي هي أن عشقه لنفسه يتضاءل أمامه الآخرون، فيرى أنه الأذكى والأجمل والأفضل، ومن هذا المنطلق تجده يسخِّر الآخرين لأغراضه وأهدافه بلا قيد أو رادع، وهو لا يحتمل النقد ولا يريد سوى سماع كلمات المدح والإعجاب من الآخرين.


الشخص النرجسي تجده دائمًا مضطربًا لا يتوافق مع نفسه ولا يعرف تعبير السلام الداخلي، بل هو في صراع نفسي لإثبات نرجسيته وتفضله على الآخرين، فحياته يتباين فيها الصراع ما بين الواقع وإيمانه بذاته، فيعيش مفتقدًا السلام الداخلي والتصالح مع النفس.

النرجسية لها أنواع متعددة "اجتماعية واقتصادية وثقافية"، مريض النرجسية يعاني اضطرابًا نفسيًا بسبب الهوة العميقة بين اعتقاده في ذاته وتقدير الآخرين له، مما يسبب له أمراضًا نفسية.. والشخص النرجسي يقع هو فريسة للمرض، ولكن أخطر أنواع النرجسية هي النرجسية الدينية؛ لأنها تُعطي النرجسي ليس حق الإدانة فقط بل الذبح والنحر واستحلال أموال الغير بدوافع دينية.

أصحاب النرجسية الدينية يعتقدون أنهم أفضل أنواع البشر فجنة الله محجوزة لأمثالهم فقط، بعد أن نحوا الله جانبًا أصبحوا المهيمنين على عمل الله ذاته، يوزعون الجنة والشهادة لمن يسير على دربهم، فلا تتعجب إن شاهدت جماعات إرهابية تذبح وتنحر باسم الدين ولا تتعجب بالأحرى حينما تجدهم يحللون الكبائر لأجل ذواتهم انطلاقًا من فكرة تنحية الله ذاته جانبًا ليصبحوا هم دليل أنفسهم.

فالاغتصاب ونكاح الصغيرات يصبح جهادًا.. وسرقة أموال الآخر حلالًا.. والذبح والنحر للبشر تطهيرًا للعالم.. وتهجير الملايين من أوطانهم والاستيلاء على أراضي الغير لإقامة دولتهم الدينية عملًا مشروعًا.

النرجسية الدينية سبب رئيسي للحروب والكروب في منطقتنا التعيسة، فالجماعات الدينية في الشرق التعيس تتخذ شعارات دينية تغزي النرجسية التي لديها وتقصر الجنة ولقب الشهادة على أتباعها فقط ولسان حالهم يقول "شهداؤنا في الجنة وقتلاهم في النار".

النرجسية الدينية ليست مقتصرة على دين معين إنما داخل الدين الواحد تجد تناحرًا وقتالًا و"أعمال ذبح" ونحرًا بين أتباع المذاهب المختلفة انطلاقًا من النرجسية الدينية، فكل الجماعات الإرهابية تقدم لأصحابها دلائل أنهم الجماعة الناجية والآخرون على طريق مظلم.

النرجسية الدينية سبب رئيسي لإدانة البشر والأطياف والأديان والحكم على الآخر، وتسمع الخطب النارية التي تحقر وتقلل وتستبيح الآخر انطلاقًا من هذه النرجسية.

النرجسية الدينية تنتهك تعاليم الأديان، فجميع الأديان تؤكد أن الله هو الديان، وأن الاختلاف سنة من سنن الله في الوجود، وأنه لو شاء الله لجعل العالم كله دينًا واحدًا.. ولكن النرجسية الدينية لم تنتهك تلك التعاليم فقط إنما حق الله ذاته في الإدانة يوم القيامة.

الجماعات النرجسية الدينية يصرخون نهارًا وليلًا أنهم الأفضل والأحسن ممن يعيش على الأرض ويسوقون أدلة وبراهين لكسب جهلاء وبسطاء لأجندتهم غير الصادقة ويسَّخرون الآيات والأحاديث لذلك بنعرات وصرخات عالية.. والواقع يفضحهم وأعمالهم تشينهم.

أخيرًا إن الشخص النرجسي يعيش في حرب دائمة مع النفس والغير، هكذا أصحاب النرجسيات الدينية يعيشون في حروب وكروب لأنهم ينقسمون على ذواتهم إلى مجموعات، إن أصحاب النرجسيات الدينية لصوص ليس لأنهم يسرقون ما ليس لهم وليس لأنهم يستبيحون دم وشرف وحياة الآخر، بل لأنهم نهبوا حق الله الديان وتقمصوا شخصيته وقدموه في صورة سادية تبعد عن جوهره المحب.
Medhat00_klada@hormail.com
الجريدة الرسمية