رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وزمن البكوات


ما يحدث في مصر حاليًا يذكرني بفصل مهم في العلاقة بين الفن والواقع، فالمفروض أن الفن يستنبط أفكاره من الواقع، لذلك نجد الكثير من الأفلام المستوحاة من قصص واقعية.. قليلة هي الأعمال الفنية التي تتنبأ بما يمكن حدوثه في واقع ما أو مجتمع ما، ثم نرى ما تنبأ به الكاتب أو المؤلف يحدث في الواقع..


من بين هذه الأعمال الفنية القليلة مسرحية "أهلا يا بكوات" للكاتب والمؤلف المسرحي لينين الرملي، وتدور فكرة المسرحية حول عودة ساعة الزمن للوراء، حيث يجد بطلا المسرحية، "عزت العلايلي" الذي يلعب دور أستاذ التاريخ، وصديقه "حسين فهمي" العالم، يعيشان في زمن المماليك، وسعى عزت العلايلي –أو أستاذ التاريخ- إلى استغلال الفرصة لتغيير التاريخ ومساعدة المماليك على التطور والتقدم لمنع الحملة الفرنسية على مصر، غير أن المماليك يتهكمون على كل ما كان يتم تقديمه لهم من معدات حديثة، ليسيروا إلى المصير الذي رسمه لهم التاريخ.

ما يحدث في مصر حاليًا هو فصل من مسرحية "أهلا يا بكوات"، فبعد أن كتب المصريون تاريخًا جديدًا حين أزاحوا حكم مبارك ومن ورائه حكم الإخوان، عادت أجهزة الدولة بمصر إلى عهد زمن البكوات، وعبثًا يحاول المثقفون والكتاب تحذير أجهزة الدولة ومن بين بيديه مقاليد السياسة في مصر من المستقبل الذي يقودون مصر إليه، فهناك طبقة سياسية وأجهزة ماضية في سعيها إلى سحب مصر إلى الوراء وجرها من سيئ إلى أسوأ.

فالأحزاب السياسية طالبت فور صدور قانون الانتخابات بتعديله، محذرة وناصحة من برلمان لا يعبر عن إرادة جميع المصريين، غير أن البكوات مضوا غير عابئين فكان الناتج برلمانًا يصفق أكثر مما يناقش، البرلمان لا يدرك أن الشعب هو من وضع الرئيس السيسي على كرسي الرئاسة.. الواضح أن أعضاء مجلس النواب لا يعرفون أن مصر قامت بها ثورتان للقضاء على حكم الفرد وحكم المرشد.

وبينما ظن الكتاب والمثقفون لبرهة أنهم يعيشون في دولة مصر الحديثة، باغتهم رجال البكوات بملاحقات قضائية تحاكم أفكارهم واجتهاداتهم أو حتى شططهم الفكري على الرغم من أن الدستور ينص صراحة على عدم معاقبة الكتاب والمفكرين بعقوبات سالبة للحرية.

الأجهزة الأمنية أحد رموز وركائز زمن البكوات، فحالات التعذيب والقبض زادت وفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الداخلية والخارجية، استمرار ممارسات بعض من أفراد الشرطة تزيد من يقين الشعب المصري أن هذه الممارسات هي منهج تعامل وليس حالات فردية.. فإذا كان بعض من أفراد رجال الشرطة مازلوا يعيشون في عصر مبارك الذي ضج بالتعذيب، أفلم يأن لوزارة الداخلية أن تثبت أنها تعيش في دولة قانون أو أن تتبنى منهجًا يتخلص من كل مَن يخالف القانون من رجال الشرطة المنوط بهم تطبيق القانون والمحافظة عليه.

إعلام البكوات هو إعلام يجر مصر للوراء ويمجد حكم الفرد في مقابل حكم المؤسسات، ويسعى لتبنى فكرة المؤامرة وللتخوين، وكلها اتهامات تعبر عن إعلام سلطوي لا يتعلق بالدولة المدنية الحديثة من قريب أو من بعيد.. يتهم إعلام زمن البكوات الإخوان بأنهم وراء كل مصيبة في مصر صغيرة كانت أو كبيرة، رغم أن أغلب قادة الإخوان وشبابهم في السجون.

ويبقى السؤال: من يوقف عجلة العودة بمصر للوراء للمزيد من زمن البكوات.. فقد عادت بما يكفي؟ لا أعتقد أن الأجهزة الأمنية ولا البرلمان يمكنهما إيقاف عودة عجلة مصر للوراء، فهم يدفعونها للوراء بسرعة وهم يظنون أنهم "يحسنون صنعًا".

حسنًا، هل يمكن للمثقفين والكتاب إيقاف عجلة العودة بمصر إلى الوراء؟ لا أعتقد.

الرئيس قال إنه يسعى لإرساء دعائم الدولة المدنية الديقراطية الحديثة، وعليه إن كان يرغب في ذلك أن يوقف عجلة العودة بمصر للوراء، هو يملك إصدار تعليمات صارمة وصريحة للأجهزة الأمنية، لكنه لن يستطيع أن يفعل شيئًا لبرلمان بلا سياسة.

الدولة المدنية الحديثة هي الدولة التي لا يخاف فيها المواطن، الدولة المدنية الحديثة، هي الدولة التي لا يتم ضرب وسحل الأطباء فيها.. الدولة المدنية الحديثة هي الدولة التي تحافظ فيها الشرطة على القانون، وهي الدولة التي يتم تعظيم دور الأحزاب السياسية وتقليص حكم الفرد فيها.. زمن البكوات وعجلة العودة بالزمن للوراء لن يتوقف وستستمر حالة العودة بمصر للوراء طالما لا توجد إرادة فعلية للتغيير.
الجريدة الرسمية