رئيس التحرير
عصام كامل

عيون وآذان (أكتب مهاذراً ولا أشكو)


بين الهذر والجد أسأل: هل لاحظ القارئ أن الثورات العربية قضت على سوء إدارة الأنظمة السابقة؟ هل لاحظ أيضاً أننا الآن تحت سوء إدارة جديد؟ أقترح أن يكون عنوان كتاب سيرة حياة الرئيس العربي: ما تعلمت بعد بعد فوات الأوان.


كان جورج بوش الابن قال يوماً: أعظم شيء في الكتب أنك تجد فيها أحياناً صوراً رائعة. بهذا المعنى إذا أهدى قارئ رئيسه كتاباً فعليه أن يرفقه بالأقلام الملونة ليستطيع الرئيس تلوين الصور فيه.

هناك الذي قال لصديق: هل تريد أن أهديك كتاباً في عيد ميلادك؟ ورد: شكراً، عندي كتاب. وهو لاحظ استغراب الصديق الأول فقال له إنه يقرأ قائمة الطعام في المطاعم وهي توفر له قراءة مفيدة وكافية.

أقول للقراء المصابين بحساسية إزاء قراءة الكتب أنهم لا يخسرون شيئاً، فأي كتاب ناجح سينتهي فيلماً أو مسلسلاً تلفزيونياً.
أبقى مع الكتب، فعرب كثيرون لا ينالون حظهم من التعليم الأساسي، وقرأت أن شاحنة تحمل مئات الأعداد من كتاب المفردات (Thesaurus) تعرضت لحادث سير فتناثرت الكتب في الشارع، والشهود فوجئوا وصدموا وذهلوا ودهشوا واستغربوا الحادث.

وسئل عربي هل يتكلم الإسبانية فقال إنه لا يعرف لأنه لم يجرب التكلم بها في حياته.
إذا لم تنجح الدول العربية في تحسين التعليم فهي لن تنجح في محاربة الفقر. وكل دولة عربية تعلن أنها تشن حرباً على الفقر، وأسأل كيف الفوز بهذه الحرب؟ هل المطلوب أن يستسلم الفقراء؟.

هناك عبارة بالإنجليزية هي «أكثر فقراً من فأر كنيسة». ويبدو أن الفقير العربي حظه هذه الأيام مثل فأر الكنيسة الذي فرّت زوجته مع فأر آخر، وأخذت كل مخزونهما من الجبنة الدنماركية.

العربي العاطل عن العمل قالت له زوجته العاملة إن مصروف البيت يعني حاجة العائلة الى وظيفة ثانية. وسألها زوجها: هل ستحاولين البحث عن وظيفة ثانية؟.

في المكتب نبّه المدير سكرتيرته الى أنها تتأخر دائماً في الوصول الى العمل، وقال لها إنها إذا استمرت في التأخر فسيضطر الى البحث عن سكرتيرة ثانية، وقالت السكرتيرة النشيطة مستغربة: ولكن ليس عندنا عمل يكفي لسكرتيرتين.

أقول انسوا فرص العمل، وانسوا الحكومة وما تقول عن الفقر وسبل مكافحته، فقد لاحظت أن الفلوس ضرورية لينجح الإنسان مالياً. وفي القرآن الكريم: ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، وفي الكتاب المقدس أنه: أهون أن يدخل جمل في ثقب إبرة من أن يدخل ثري ملكوت السموات. وبقي أن يقتنع الأثرياء بذلك، أو ذلك الثري الذي قال: ذقت طعم الجوع مرات كثيرة، ولكن كنت عندما أجوع أذهب الى مطعم.

المثل الشعبي يقول: الفقر راحة ولو أنه خراب بيوت. وبالانكليزية يقولون: الغبي وماله سرعان ما يفترقان (كيف أصبح الغبي ذا مال؟ ورثه). جورج بوش الابن أطلق أزمة مالية عالمية جعلت كل الناس يفترقون عن مالهم، فيما هو يلون الصور في الكتب. وإن كان من عزاء فلا دخل يعني لا ضرائب. وكان اينشتاين قال يوماً: أصعب شيء في العالم هو فهم ضريبة الدخل.
لو كان اينشتاين بقي معنا لقلت له إن الدخل نسبي، مثل نظرية النسبية، بمعنى أنه إذا ارتفع دخلك يكثر «نسايبك».

حظي «الهباب» يعني أنني لست في قائمة أغنى مئة رجل في العالم التي تصدرها مجلة «فوربس»، أو حتى في قائمة أغنى 50 رجلاً عربياً التي تصدرها مجلة «اريبيان بيزنس». وإن كان هذا لا يكفي فالمحاسب الذي يتولى شئوني الضريبية مع الحكومة البريطانية لا يزال يكتب بأرقام لاتينية.
أكتب مهاذراً ولا أشكو ولا أطلب، بل أعذر الأنظمة العربية فقد ارتكبت خطأ بسيطاً وهي تحاول القضاء على الفقر فقد ذهبت الى ميدان معركة آخر وقضت على التعليم أو كادت.
نقلاً عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية