رئيس التحرير
عصام كامل

بطاقة شعبان.. من «الحرافيش» للناتو


فجأة تحولت جلسات الطرب الأصيل التي تحتضنها جدران مقهى الحرافيش الثقافية كل مساء إلى غرفة عمليات للبحث عن بطاقة المواطن شعبان إبراهيم.

هنا بالقرب من ميدان الجيزة تعانق نغمات روائع الطرب وجوه الموجي والطويل وبليغ وحليم ونجاة وعبد الوهاب وعبد المطلب وسيد مكاوي وغيرهم من نجوم الغناء والتلحين؛ إذ تزين صورهم حوائط مقهى الحرافيش في لقاء حي يتجدد كل ليلة يملأ نفوس الحاضرين بالسعادة والأمل.

يطلون علينا بنظراتهم المتأملة وكأن براويز لوحاتهم البديعة التي شكلتها أنامل فنانين كبار تحولت إلى نوافذ مفتوحة تدب منها الحياة.

تظللنا حكايات خيري شلبي وشقاوة محمود السعدني وحكمة نجيب محفوظ وفلسفة صلاح جاهين وضحكات سيد مكاوي وتمرد أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام..

كل ذلك في حضرة الدكتور فخري يوسف أمير دولة الحرافيش أطال الله في عمره ليمتع أجيالا وأجيالا بالفنون واحتضانه المواهب.. فوسط تدفق عشوائيات الأغاني المبتذلة من كل حدب وصوب ما زال هذا الرجل يجلس على بوابة الفن الأصيل حارسا وحافظا وراعيا له.

تعطر أجواء المكان أبخرة الشاي التي اختلطت بالقرنفل والحبهان وأعواد النعناع.. تجمعنا «اللمة الحلوة» والضحكة التي تعلو الوجوه.. وتتعالى الآهات مع أغاني «مال عليا مال - وبتلوموني ليه - وودع هواك - ودارت الأيام...» حتى نشعر بأنفاس الصباح تتسلل عبر النوافذ فنأسف على وداع ليلة طربية من ليالي الحرافيش ونمني أنفسنا بميلاد ليلة جديدة تجمعنا على سحر الغناء الجميل.

لكن تبدل بنا الحال.. فشعبان الذي يستقبلنا كل يوم بابتسامته العريضة ويتنقل بين المناضد بحيوية كعصفور بين الأغصان.. تجمدت ملامحه وسكنت حركته.. واكتشفنا أن بطاقته التموينية تاهت بين أروقة الوزارة.. فقررنا تشكيل غرفة عمليات للبحث عنها لاستعادة بسمته المعهودة وهذا أبسط حقوقه علينا وهو يمنحنا جميعا البهجة.

ووزعنا المهام بيننا حتى تواصلنا مع وكلاء وزارة التموين والمتحدث الإعلامي ومستشار الوزير ورؤساء القطاعات.. وعلى مدى ثلاثة أشهر مضت لم يتم العثور على بطاقة شعبان حتى الآن..

ورغم أن البعض يصف تجربة بطاقات التموين الجديدة للوزير خالد حنفي بأنها ناجحة لكننا اكتشفنا أن الوزارة نفسها تحكمها عقليات من العصور البائدة وما زالت هناك بيروقراطية كفيلة بنسف كل محاولة تعتمد على الميكنة والبرمجة وغيرها من مصطلحات التكنولوجيا الحديثة.

وأي تجارب مستحدثة لمواكبة التطور وتيسير تقديم الخدمات للمواطنين سيكون مصيرها الفشل أمام استفحال الدولة العميقة التي تقف أمام التحديث والشفافية والمحاسبة وتتمسك بالروتين الذي يحمي فسادها.

ومع ذلك لن نستسلم.. ولو وصل الأمر لتصعيد القضية لمنتدى دافوس وحلف الناتو حتى تتم عملية تحرير بطاقة التموين بنجاح وتعود ليالينا في الحرافيش هادئة صافية كما عهدناها لا تعكرها أحزان شعبان!
الجريدة الرسمية