حكايات وطرائف برلمانية!
مجلس النواب المصري الذي ألقى أمامه الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس بيانه الأول هو مجلس مهم لمصر لأنه جاء بعد ثورتين وخمس سنوات من عدم الاستقرار، هو مجلس جديد ورئيس جديد في ظل دستور جديد، ونحن نسعى لبناء مصر جديدة، ويأتي خطاب الرئيس في ظل احتفالات مصر بمرور مائة وخمسين عامًا على إنشاء الحياة البرلمانية، أما مجلس الشعب 2012 (الذي سيطر عليه الإخوان) كان فريدًا من نوعه لأنه المجلس الأول الذي جرت انتخاباته في ظل عدم وجود دستور للبلاد ولا رئيس للدولة ولا حزب حاكم بل إن مرحلته الانتخابية الأولى جرت ولم تكن هناك حكومة لأن د. عصام شرف كان قد قدم استقالته وتم تكليف د كمال الجنزورى ولكن لم يكن قد حلف اليمين ومن أسباب تفرده أيضًا أن انتخاباته جرت في ظل وضع أمني هو الأسوأ في تاريخ مصر ومع ذلك لم تحدث فيه أي حادثة عنف واحدة.
ومن المعروف أن مصر من أقدم دول العالم التي فيها برلمان كان ذلك عام 1866 في عهد الخديو إسماعيل والذي عقد أولى جلساته يوم الأحد الموافق 25 نوفمبر من نفس العام في القلعة برئاسة إسماعيل باشا راغب.. وشهدت مصر أقصر مدة برلمان في العالم كانت فقط 8 ساعات و50 دقيقة يوم الاثنين 23 مارس 1925 وكان رئيس هذا المجلس سعد باشا زغلول الذي جاء على غير هوى الملك، ويذكر أيضًا أن سعد زغلول هو أول رئيس وزراء مصري جاء بناءً على أغلبيته البرلمانية، مساء يوم 3 يناير 1938 كانت هناك جلسة نادرة في التاريخ البرلماني المصري والعالمي، حيث عُقدت في الظلام بسبب خلاف بين رئيس المجلس والأغلبية أدى إلى اقتحام حرس المجلس القاعة وإطفاء الأنوار ورفعت الجلسة دون أن يُعرف من رفعها بل إنه تمت كتابة مضبطة الجلسة في الظلام ثم إعادة كتابتها في النور لتصبح الجلسة الوحيدة في العالم التي لها مضبطتان مختلفتان..
ومن أشهر الاستجوابات التي شهدتها الحياة البرلمانية المصرية كان استجواب الكتاب الأسود الذي قدمه مكرم باشا عبيد بعد انشقاقه عن حزب الوفد، حيث قدم هذا الاستجواب إلى مصطفى باشا النحاس رئيس الوزراء آنذاك اتهمه بالفساد المالي، وأطرف ما جاء في الاستجواب اتهام مكرم للنحاس بشراء سيارة كوتسيكا بــ1550 جنيهًا أقل من ثمنها الحقيقي وهو3075.. وفى البرلمان المصري وقعت أول جريمة قتل لرئيس وزراء وكان أحمد باشا ماهر حيث قُتل يوم 24 فبراير عام 1945 في البهو الفرعوني على يد شاب ظن أنه يريد مصافحته، لكنه أطلق عليه ثلاث رصاصات أنهت حياته في ربع ساعة وعندما علم الملك بالخبر ذهب إلى البرلمان وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي حضر فيها الملك فاروق للبرلمان دون سبب دستوري وقال كلمته الشهيرة "لقد فقدت مصر رجلا عظيما" وتخليدًا لذكراه تم إنشاء مستشفى أحمد ماهر في دائرته الانتخابية بالدرب الأحمر وهي ما زالت موجودة حتى اليوم وتحمل اسمه..
في مايو 1950 قدم النائب مصطفى مرعي أخطر استجواب في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، حيث فجر قضية فساد القصر الملكي والأسلحة الفاسدة هذا الاستجواب كان سببًا في القضاء على النظام الملكي وقيام ثورة يوليو عام 1952.
في يوم 8 أكتوبر عام 1951 كانت الجلسة التاريخية، حيث وقف رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس أمام البرلمان قائلا "يا حضرات النواب المحترمين من أجل مصر وقعت معاهدة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها".
ومن نوادر الحياة البرلمانية المصرية أن عبدالسلام باشا جمعة كان رئيسا لمجلس النواب ولم يكن له محل إقامة في القاهرة، حيث كان يقيم في طنطا ويأتي بالقطار أيام الجلسات وكانت سيارة المجلس تنقله من محطة مصر إلى البرلمان وبالمناسبة المجلس وقتذاك لم يكن به سوى سيارتين فقط، بالإضافة إلى سيارة رئيس المجلس التي كانت تستهلك ثلاثة لتر بنزين في الشهر وفى أحد الشهور اكتشفوا أنها استهلكت أربعة لترات تم إجراء تحقيق فساد مالي بسبب لتر البنزين الزيادة كيف حدث ذلك؟ ومن المسئول؟ ومن يتحمل التكلفة؟
وفى التحقيق اعترف سائق رئيس المجلس بأن كريمته جاءها مخاض الولادة فجرًا ولم يجد وسيلة موصلات في هذا الوقت المتأخر فاضطر إلى توصيلها بسيارة رئيس المجلس وانتهى التحقيق إلى التنبيه عليه بعدم تكرار ذلك مع تحمله قيمة لتر البنزين الزيادة.. هكذا كانت مصر قبل ثورة 23 يوليو والتي قُزمت حتى كادت أن تختفي من على الخريطة إلى أن جاءت ثورة 25 يناير التي أنقذتها من الفساد ثم ثورة 30 يونيو والتي أنقذتها من الإرهاب ولدي أمل وتفاءل كبير مبني على وقائع علمية وعملية أن مصر سوف تسترد مكانتها وتعود وبقوة.