قانون ساكسونيا
تقع ولاية ساكسونيا في أقصى شرق ألمانيا وعلى حدودها مع بولندا والتشيك وكانت ولاية ساكسونيا في القرون الوسطى من أغنى ولايات ألمانيا وفى القرن الخامس عشر الميلادى كان يسيطر عليها طبقة من النبلاء الأغنياء الذين امتهنوا التجارة وسخروا باقى الشعب في خدمتهم وفي سبيل غناهم ورغم أنهم لم يتبعوا نظام العبودية وأن ملكتهم كان تسعى إلى العدالة ومن ذلك أنها أصرت على وضع قوانين تطبق على كل المواطنين جهارا نهارا وقت أن تستقر الشمس في كبد السماء..
فالقاتل يحكم عليه بقطع رقبته والسارق يحكم عليه بالجلد على ظهره عدد مرات يتناسب مع ما سرق والمارق يحكم عليه بالسجن عدد أيام أو شهور أو سنوات تتناسب مع قدر جريمته ورغم جمال النصوص وعدالتها إلا أن النبلاء تحايلوا على تنفيذها، حتى أصبح الفقير إذا ارتكب أي جرم أحضر في منتصف النهار وأمام كل الناس فقام السياف بقطع رقبته والسارق يوثق في سارية أمام الناس ويقوم الجلاد بجلده قدر ما حكم به عليه والسارق يساق إلى السجن موثقا بالأغلال.
أما إذا كان المجرم من النبلاء فإن الوضع يختلف حتى إذا ارتكب نفس الجرم ووقعت عليه نفس العقوبة فيطلب منه أن يأتى في منتصف النهار ويقف حتى يكون له ظل ثم يبدأ في تطبيق العقوبة على ظله ! فإن كان قاتلا قطع السياف رقبة ظله وإن كان سارقا أخذ الجلاد في جلد ظله أما إذا كانت العقوبة السجن أقيم جدار خشبى في أوسطه باب وقام حارسان باصطحاب النبيل موثق اليدين حتى يدخل من الباب أمام العامة ويخرج من الناحية الأخرى مبتسمًا ساخرًا لينزع عنه وثاقه ويعود إلى بيته..
ومع غياب العقوبة الرادعة انتشرت جرائم النبلاء حتى بدأ النبلاء يقتل بعضهم بعضا وانتهى الأمر بانهيار ذلك المجتمع الفاسد.
يستغرب البعض عندما يقرأ ذلك التاريخ ولا يرون ما قد يصل إليه الحال في بعض المجتمعات فلا تكتفى تلك المجتمعات بتطبيق إجراءات شكلية على نبلائها فتعقد المحاكمات الصورية ولا تنفذ أحكام بحق الأغنياء فحسب بل تتطور الأمور تدريجيا حتى تصل إلى مرحلة تحصين هؤلاء من مجرد المساءلة الشكلية وتكوين طبقة فوق القانون فلا يسمح بمجرد توجيه التهم لها ناهيك عن محاسبتها ثم تزداد الأمور سوءا حتى تتعدى تلك الحصانة من طبقة الأغنياء إلى كل من ينتمى إليهم أو يتعاون معهم ويصبح تطبيق القانون على باقى الشعب دون هؤلاء.
يصل الفساد ببعض المجتمعات لدرجة أن تعطى حصانة للعاملين على تحقيق القانون عند مخالفته فلا يحاسبون على مخالفته بدلا من تغليظ العقوبة عليهم حتى نتساءل كيف يحترم القانون من تعود مخالفته وشعر أنه فوقه ومحصن ضد المساءلة؟
يخطئ من يعتقد أن تقويض العدالة بعدم تطبيق القانون بالمساواة بين الجميع يمكن أن يضمن ملكا أو استقرارا ويخطئ من يظن أن التستر على بعض الخارجين على القانون لن يؤدى إلا إلى مزيد من انتشار الجريمة... ولا أستغرب قول القائل "كيف تتندرون بما كان في ساكسونيا وقد كانوا يصرون على محاسبة نبلائهم ولو شكليا أمام الناس حفاظًا على صورة القانون، بينما قد يصعب علينا مجرد توجيه اتهام لمن خرج على القانون في جرائم موثقة بالدلائل وعشرات الشهود".