هل تؤمن الجماعات الدينية بيوم الحساب؟!
لدى كل الحضارات منذ فجر التاريخ دلائل تؤكد أن رحلة الإنسان لن تنتهي بالموت، وهناك شهادات محفورة بين ثنايا تاريخ أجدادنا الفراعنة العظماء تسجل محاكمة الموتى مثل بردية جنائزية "بطيبة" التي ترجع لنحو 1025 ق.م يظهر فيها الإله "أنوبيس" وهو يزن قلب الميت بميزان العدالة، بينما الإله "أوزوريس إله الموتى، على اليمين يتابع المحاكمة، "آمن المصرى القديم أن الروح تتعرض بعد الموت لمحاكمة تتناول ما أتاه الميت في دنياه من حسنات وسيئات، فيجازى المُحسن على إحسانه، ويعاقب المُسىء على سيئاته".
وكانت المحكمة مؤلفة من 42 قاضيًا يمثلون أقاليم مصر، وعلى رأسهم الإله أوزوريس إله الموتى، وكان قلب الميت يوضع في إحدى كفتي ميزان، وفي الكفة الأخرى توضع ريشة تمثل الإلهة "ماعت" إلهة الصدق والعدالة وابنة الإله "رع"، فإن خفت موازينه كان ذلك دليلًا على أنه طاهر فيكون مصيره الجنة، أما إذا ثقلت موازينه كان ذلك دليلًا على أنه آثم فيساق إلى عذاب الجحيم.
امتد الإيمان بالحساب والعقاب منذ عهود سحيقة إلى أن سجلتها الأديان خلال كتبها المسطرة، ولذلك لن تستطيع أن تسأل هل هناك حساب وعقاب بعد الموت؟ لأن الجميع سيتهمونك بالكفر والزندقة ففي الدولة الدينية يوجد محاكم تفتيش يحق لكل عابر سبيل أن يرفع قضية ازدراء أديان !!
وما أدراك بازدراء الأديان!! ستجد حجافل من الغوغاء والدهماء يصرخون ويثورون سعيًا لتنال جزاءك العادل حسب معتقدهم وهو القتل أو الحرق حيًا وآخر المطاف تُهجّرْ من مدينتك أو قريتك لتحيا بقية حياتك متخفيًا بلا هوية في أحيان كثيرة.
وستندهش حينما تعلم أن الجماعات الدينية التي تصرخ بلا هوادة مهدده الكل بيوم الحساب هي نفسها خلال أعمالها لا تؤمن بيوم الحساب وحينما تناقشهم يثورون عليك.
فعلى سبيل المثال امرأة أمسكت في ذات الفعل "زنى" يصرخون لتُرجم ثم يتسابقون ليقذفونها بالحجارة حتى تحطيم رأسها ليباروا فيما بينهم من هو الأول لاقتصاص حق الله!! حاشا لله أن يكون ساديًا وإن رُجِمَتْ وماتت على خطيئتها فبعد الموت علام يحاسبها الله؟!! لقد نالت القصاص على الأرض وقٌتِلَتْ ولم تعط فرصة للتوبة.
وإذا شوهد لص يسرق ستتعالى الأصوات منادية بقطع يده! فيفرحون ببتر يد وبدماء تنهمر.. غير مهتمين أن بعد قطع يده فقد تحول من عنصر إنتاج إلى عالة على المجتمع.. هل هذا سيحتاج إلى حساب بعد الموت بعد أن نال جزاءه على الأرض ببتر يد!.
وأما المخالفون يحرقونهم وهم أحياء مثلما فعلوا في باكستان مع شاهزاد مسيح /35 عاما/ وزوجته شمة شاهزاد /31 عاما/ كانا يعملان في الفرن بمنطقة كاسور (التي تبعد 50 كيلومترًا عن لاهور عاصمة الإقليم) وقد صرحت الشرطة بأن صاحب الفرن احتجز الزوجين في غرفة مع أطفالهما الأربعة بعد اتهامهما بحرق صفحات من القرآن.. وتم حرقهما وهما على قيد الحياة في صباح اليوم التالي على يد غوغاء عندما علم السكان المحليون بمزاعم التجديف.. وإن سألت لماذا حُرِقَتْ تلك العائلة أحياء؟ فستكون الإجابة أنهم نالوا عقابهم حسب أيديولوجية الغوغاء والدهماء، إذًا فبأي جريمة سيعاقبون يوم الحساب؟!!
هناك سجلات بالملايين للبشر نالوا جزاءهم على الأرض سواء بقطع يد أو بتر أعضاء أو موت حرقًا أو حرمانًا.. وحينما تتساءل لماذا؟ تصرخ الجموع: إن هذا عقاب الله.. وهذا جزاء عمله.. ولكن السؤال الآن إن كان هؤلاء نالوا جزاءهم على الأرض.. فهل سيعاقبون يوم القيامة ؟
وإن لم يأخذوا فرصة للتوبة والرجوع عن خطأهم فهل يقيم الله محفل تأديبي لهم؟ حاشا لله أن يكون ساديا أو يفرح ببتر أعضاء.. وحاشا لله أن يحاسب المخطئين دون إعطائهم فرصة للتوبة...
أخيرًا مجرد سؤال هل هناك يوم حساب ويوم عقاب؟ هل سينال المخطئ عقاب دون إعطائه أدنى فرصة للتوبة؟ أين رحمة الله؟ وأين العدل؟ هل هذا يتفق مع جوهر الله المحب؟
أسئلة عديدة نضعها ربما يدرك الإنسان أن غاية الله هي إسعاده وأن الله جل جلالة لا يحتاج لبلطجية تقتص حقه فهو عادل وعدله أساس ملكه.
"لا تدن أيها العفيف؛ لأنك أنت أدنته، صرت مخالفًا للناموس لأن الذي قال لا تزن قال أيضًا لا تدن".
القديس الأنبا بيمن
Medhat00_klada@hotmail.com