«بيزنس الطب النفسى في مصر».. غير المختصين اقتحموا المجال للتربح.. صعوبة ترخيص المستشفيات عائق أمام الأطباء وفتح المجال لـ«مراكز بير السلم»..ومليونا جنيه الحد الأدنى لإنشاء مستشفى ل
تتوقف معاناة المريض النفسي في مصر وإمكانية علاجه، على حسب مستواه المادى فإذا كان من الطبقات العليا أصحاب الثراء يمكنه الحصول على أفضل الخدمات الصحية في أكبر مستشفيات الصحة النفسية الخاصة في مصر والتي يسيطر عليها رموز بعينهم تصل تكلفة العلاج بها شهريا إلى 50 ألف جنيه وأكثر.
أما إذا كان المريض النفسي من أصحاب الطبقات الدنيا فأمامه خياران إما الذهاب إلى المستشفيات الحكومية التي تعانى من نقص الإمكانيات وانخفاض مستوى الخدمة المقدمة بها وإذا لم يجد مكانًا فسوف يقع فريسة لأصحاب المراكز العلاجية غير المرخصة "مراكز بئر السلم" يدفع فيها أموالًا فقط دون تلقى علاج ودون وجود فريق طبي بها.
منظومة الرقابة على المستشفيات والمراكز الخاصة في مصر ضعيفة حسبما أكد المتخصصون في الطب النفسي، ويبلغ عدد المستشفيات المرخصة والمعروفة 60 مستشفى تخضع للإشراف من قبل المجلس القومى للصحة النفسية، وهى الحاصلة على ترخيص، بينما يوجد مئات المراكز العلاجية غير المؤهلة ولا تحصل على تراخيص، وتننتشر في المحافظات ولا يوجد حصر رسمى لها.
الدكتور مصطفى حسين المدير السابق لمستشفى العباسية للصحة النفسية، استشارى الطب النفسي وعلاج الإدمان قال لــ"فيتو ": إن هناك عددا كبيرا من مراكز علاج الطب النفسي الإدمان غير مرخصة، ولا تعمل بصورة رسمية ومايطلق عليها "مراكز بئر السلم" منتشرة ولا يوجد حصر لها و90 % منها يعالج الإدمان ولا تضم أي فريق علاجى سواء أطباء أو تمريض، وتحدث بها كوارث من وفيات للمرضى أو تعامل مع المرضى بصورة غير آدمية.
وأشار إلى وجود مراكز عدة منها من يحصل على ترخيص نقابة الأطباء ومنها من يحصل على ترخيص إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، كمنشأة طبية دون الحصول على ترخيص من المجلس القومى للصحة النفسية للترخيص كمركز لعلاج الأمراض النفسية.
ترخيص المنشآت
وأوضح أن الصعوبات التي تواجه الأطباء في الحصول على ترخيص منشآت صحية لعلاج الأمراض النفسية هي السبب في انتشار مراكز بير السلم، فضلا عن نقص عدد أسرة العلاج في القطاع الحكومى والذي لا يوفر احتياجات المرضى ولا يتناسب مع أعداد المرضي.
وأكد أن من ضمن الصعوبات هي التراخيص الإدارية من الأحياء، والتي تشترط رسومًا ضخمة يفرضها الحى على أي مبنى سكنى لكى يحصل على ترخيص منشأة إدارية، وبعدها توافق إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة على أن تكون المنشأة صالحة للاستخدام كمنشأة طبية.
وأضاف أن هذه المبالغ تتوقف على مساحة المنشأة والمكان الموجودة فيه، مشيرا إلى أنه نظرا لأن المبالغ المالية المطلوبة كبيرة؛ فيرفض الأطباء دفعها، ويؤدي ذلك إلى عزوف عدد من الأطباء عن ترخيص منشآت لعلاج الأمراض النفسية، مطالبا بضرورة تسهيل إجراءات التراخيص الإدارية خاصة مع ارتفاع تكلفة إنشاء وترخيص مستشفى للطب النفسي تصل إلى مليون أو2 مليون جنيه.
وأشار إلى أنه مع قلة عدد أسرّة القطاع الحكومى تنشأ مراكز للعلاج تحت بئر السلم دون إشراف طبي، ولا يقدمون علاجًا للمريض ويتم معاملة المرضي بأسوأ الأشكال، خاصة في علاج الإدمان فما عليهم سوى حبس المريض فقط ومنعه من تعاطى المخدرات، ويحصلون على الأموال من الأهل دون وجود أوراق رسمية أو تسجيل أسماء المرضي وبياناتهم.
ويستغل أصحاب المراكز تحت بئر السلم خوف الأهالي على سمعة الأسرة نتيجة وجود مريض نفسي أو مدمن بها، ويعتبرونها وصمة لديهم أو تهمة يريدون التخلص منها لذلك يقبلون على تلك المراكز لعدم وجود تسجيل بيانات بها، فلن يعرف أحد أسماء المرضى بها أو هويتهم ويعطونهم الأموال ولا يرغبون في عودة الابن مرة أخرى لهم والرغبة في إخفائه عن الأنظار.
الرقابة على مراكز العلاج
وأكد أن الجهات المنوط به الرقابة على مراكز العلاج النفسي تقوم بالتفتيش العشوائي عندما يصل لها بلاغ أو شكوى من مركز معين، ودون ذلك لا يوجد تفتيش مستمر على جميع المراكز، وأحيانا يتم فتح المراكز بعد إغلاقها من قبل إدارة العلاج الحر.
وعن أسعار العلاج في المستشفيات الخاصة للصحة النفسية، فأشار إلى أنها مختلفة حسب الدرجة وحسب الخدمة الفندقية المقدمة بها.
وأضاف أن أكبر المستشفيات تتراوح تكلفة العلاج والإقامة بها شهريا من 30 إلى 50 ألف جنيه ولا يقبل عليها سوى الأغنياء والطبقات ذات المستويات المادية المرتفعة بالإضافة إلى الأجانب والعرب خاصة من دول الخليج.
وأشار إلى أن أسعار العلاج في أقل المستشفيات المرخصة تصل 5 آلاف جنيه شهريا شاملة الإقامة والعلاج والخدمات المقدمة للمريض، بينما المستشفيات المتوسطة التي تقدم خدمات مابين الدرجات المرتفعة والمنخفضة يصل تكلفة العلاج بها الى400 جنيه يوميا أي ١٢ ألف جنيه شهريًا
وقال الدكتور مصطفى حسين، إن أسعار العلاج في تخصص الطب النفسي ليست مرتفعة كما يتصور البعض مقارنة بالتخصصات الأخرى، لكنه يحتاج إلى فترة زمنية طويلة تصل إلى شهور، ففي الإدمان يصل علاج المريض إلى 6 شهور وفى الأمراض النفسية تصل إلى شهرين.
وأوضح أن أسعار العلاج في المراكز غير المرخصة تصل إلى 50 جنيه يوميا دون تقديم علاج أو وجود فريق طبي وهو فقط مجرد مكان يحبس فيه المريض، ووصف هذه المراكز بأنها أماكن غير ادمية، فمثلا إذا كان المكان يتسع لـ10 مرضي يتم وضع 60 مريضًا فيه ويساعد في ذلك الأهالي الذين يريدون اخفاء ابنائهم المرضي أو المدمنين عن المجتمع ويعتبرونهم فضيحة.
وأكد ضرورة تسهيل إجراءات ترخيص المستشفيات ومراكز الطب النفسي، مع مراعاة إجراء التفتيش الدوري على جميع المنشآت سواء من خلال إدارة العلاج الحر أو المجلس القومى للصحة النفسية أو نقابة الأطباء.
وأوضح أن معظم المراكز غير المرخصة تركز على المدمنين أكثر من المرضى النفسيين نظرا لأنه يمكن السيطرة على المدمن بحبسه بينما المريض النفسي في الأغلب يتم رفضه لعدم القدرة على التعامل معه والخوف منه.
شروط ترخيص المستشفيات
وأكد الدكتور سامح حجاج نائب مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية لـ"فيتو " أن شروط ترخيص أي مستشفى خاص تتضمن وجود طبيب نفسي بها حاصل على شهادة تخصصية ماجستير أو دبلومة.
وكشف عن وجود ما يسمى بـ"بيزنس الطب النفسي " في مصر واستغلال غير الأطباء وغير المتخصصين مجال الطب النفسي لجنى الأموال، مشيرا إلى أن غير المتخصص يحصل على اسم طبيب ليفتح به مركزًا خاصًا لعلاج المرضى النفسيين وتقديم مبلغ له نظير ذلك شهريا على سبيل المثال 5 آلاف جنيه شهريا ومن الممكن أن يتم فتح عدة مراكز باسم طبيب واحد، لافتا إلى أنه كثيرا ما يتم التعامل مع الطب النفسي على أنه تجارة مربحة.
وأضاف أن بعض المراكز الخاصة تكون غير مؤهلة، ولا تقدم العلاج الكامل للمريض الذي يدفع أموالا كبيرة.
وأكد أن أسعار العلاج النفسي في المراكز الخاصة متفاوتة ويحتاج المريض لفترة علاج تتراوح من شهرين إلى 3 شهور لأن المرض النفسي مزمن ويحتاج رعاية صحية وفترة طويلة للشفاء.
وأضاف أن عددا من المرضي المترددين على المراكز الخاصة يلجئون للمستشفيات الحكومية ومنها العباسية ويجدون فيها رعاية وخدمة صحية أفضل من الموجودة في الخاصة نسبيا.
ونوه إلى أن أسعار الأدوية المستخدمة في العلاج النفسي منها ماهو متوسط التكلفة ومنها ماهو مرتفع الثمن مشيرا إلى أن الأدوية الأصلية أغلي في الثمن من الأدوية المثيلة، إلا أن الأصلية لا يوجد لها أي آثار جانبية تذكر مقارنة بالدواء المثيل، ويختلف سعر كل دواء حسب نوع المرض وحالة المريض، لافتا إلى أن معظم الأدوية الحديثة يتم توفيرها في مستشفى العباسية للصحة النفسية.
المستشفيات الحكومية
وأكد مصدر مسئول أن هناك مساوئ بمستشفيات الصحة النفسية الحكومية مقارنة بالخاصة، مشيرا إلى أنه في حال تطبيق المعايير الخاصة بالترخيص على 18 مستشفى حكوميًا تابعًا لوزارة الصحة يعالج الأمراض النفسية فإنها ستغلق جميعها، مشيرا إلى أن وزارة الصحة من خلال المجلس القومى للصحة النفسية أصدرت قرارا بإعفاء مستشفيات أمانة الصحة النفسية من المعايير.
أكد المصدر أنه لا يجوز أن يكون المجلس القومى للصحة النفسية منوطًا به الرقابة على المستشفيات الخاصة والحكومية وتطبيق قانون الصحة النفسية تابع لوزير الصحة، وقال:" فكيف يكون رقيبًا على نفسه؟!".
أشار المصدر إلى أن المريض يجد في المستشفيات الخاصة كافة الخدمات ومستويات طبية مختلفة، فهى عرض وطلب بينما في المستشفيات الحكومية فأسعار العلاج مناسبة، وبعضها مجاني إلا أن الخدمة غير جيدة بها، كما أن الأماكن بها غير متاحة.
وأوضح أن الرقابة على المستشفيات ومراكز العلاج الخاصة ضعيفة ومفترض وجود لجان مستمرة من المجلس القومى للصحة النفسية لمتابعة تنفيذ حقوق المرضى ومعدلات الأمان، وفي حال وجود مخالفات تكون العقوبة المقررة إنذار ثم غلق لمدة 3 أشهر، إلا أن تلك العقوبات لا تطبق إلا نادرا.