رئيس التحرير
عصام كامل

أستاذ الطب النفسى الدكتور محمد المهدى يجيب على السؤال الصعب: هل مات ضمير المصريين؟

أستاذ الطب النفسى
أستاذ الطب النفسى الدكتور محمد المهدى

لقناعته الشديدة بأن الضمير هو المصدر الحقيقي للتقدم والنهوض بالدولة، جاء اقتراح الرئيس عبد الفتاح السيسي ومجلس علماء مصر بتدشين منظومة القيم في المجتمع وتشكيل لجنة الأخلاق والضمير، فما بين إتقان العمل والصدق والمواطنة وبين وجود الضمير ترابط شديد، فإن وجد الضمير كان لكل تلك الأشياء نصيب كبير من الوجود، أما لو غاب فكأنها سراب منثور، وفي هذا الصدد كان لنا حوار مع الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، وإلى نص الحوار:


> ما هو التعريف العلمي للضمير؟
في البداية هناك تعريفات كثيرة للضمير منها ما هو علمي ومنها ما هو معروف بالفطرة لدى الإنسان، فالضمير هو وعي للذات، يحمله الإنسان في داخله ككائن تاريخي يعي معنى الماضي ويتحمل عبء الحاضر ويعدّ المستقبل، يميزه عن الحيوان الذي تسيّره غرائزه وتكيّفه مع ظروفه المحيطة، وهذا الوعي الإنساني هو بمثابة مسئولية الإنسان تجاه نفسه وتجاه حياته، فلا تتحكم فيه الغرائز، بل الرغبة في أن يهب ذاته لشخص آخر، وأن يتقبل نفسه منه؛ والضمير كوعي للذات هو ما يدفع الإنسان لتحقيق ذاته في واقع ظروفه، من خلال سلوك يتوافق مع الحقيقة التي يصبو إليها، وأيضا هناك تعريف منتشر للضمير وهو قدرة الإنسان على التمييز ما بين العمل الخطأ والصواب أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية.

> متى نحكم على الضمير بالوفاة في مصر؟
لا نستطيع تعميم مقولة أن الضمير مات في مصر، ولكن الضمير العام يعاني من أزمة شديدة بمعنى أن الضمير العام هو اتفاق جموع الناس على قيم اجتماعية معينة، فالصدق قيمة والأمانة قيمة والحب قيمة والتعاون قيمة والتصالح والتسامح قيمة، وهي قيم يتفق عليها أغلبية المجتمع وعندما تغيب تلك القيم يغيب على الفور الضمير، ونحن أصبحنا نعاني من غياب بعض تلك القيم والتي منها الصدق والأمانة وإتقان العمل أيضا، أصبح لدينا حالة من «الفهلوة» في سلوك الشعب المصري وأيضا أصبحنا نعتمد على «اللف والدوران» في إنهاء أعمالنا وأصبح كل منا يفكر في نفسه فقط ومشروعه الخاص ولا يفكر في الوطن والدولة.

> هل غياب الضمير يؤثر على تفشي الفساد وضياع الأخلاق في الدولة؟
بكل تأكيد، ففي البداية تأثيره يظهر في وجود حالة من فقدان الثقة لدى مواطنين الدولة فالتعامل اليومي أصبح مريبا ومليئًا بجو من الشك وعدم الثقة، وأيضا يؤثر غياب الضمير على انعدام روح التعاون وإيجاد صعوبة في التقدم بالدولة واقتصادها ويصبح هناك حالة من الانشقاقات والشروخ الشديدة في بناء المجتمع ففي مصر لم تعد دولة قوية قائمة على البنيان المرصوص من أبنائها ولم يعد هناك تماسك، وبات هناك انشقاقات كثيرة وتيارات مختلفة تعصف بوحدة الوطن.

> هل هناك علاقة بين الضمير وبين انتشار السعادة أو التعاسة؟
هناك علاقة قوية بين الضمير والمنظومة الأخلاقية وبين السعادة والتعاسة، فكلما كنا نعيش في مجتمع لديه ضمير ونثق في أفراده كلما كان الشعور بالأمان والفرح والاطمئنان والسعادة أكبر ما يؤدي للعمل براحة وبحب، أما كلما غاب الضمير فيكون الشعور بالخوف أكبر ما يؤدي لقلق أكبر والعمل بالتربص وعدم النوم في راحة واطمئنان ما يؤدي إلى تعاسة وشعور بعدم السعادة والخوف من المستقبل والخوف على أولاده وعمله ووطنه.

> هل هناك علاقة بين الضمير والدين؟
نعم فالدين هو المصدر الأساسي والأهم للضمير، لكن هناك من هم غير متدينين ولديهم ضمير أخلاقي يقظ ولا يتلون على الإطلاق، في المجتمع المصري نجد مشكلة كبيرة وهي كثرة مظاهر التدين وانعدام المنظومة الأخلاقية وغياب الضمير، وذلك أحدث تحولا كبيرا وهزة شديدة في نظرة الدول للمصريين، وبات الخوف أكبر بسبب الارتباط الضعيف بين الدين والضمير في مصر في الفترة الأخيرة، وفي الفترة الأخيرة بات التشكك أكثر في الشخصيات العامة الدينية على عكس المفروض وأصبح الناس يتششكون أكثر فيمن يبدو عليهم علامات التدين.

> كيف نسترد قيمة الضمير الغائب وإحياءه مرة أخرى للمجتمع المصري؟
لابد من إعمال القانون بشكل جاد ومستمر ومتساويًا على كل الجهات والأطراف في حالة حدوث ما يخالف الضمير وما يخالف القانون، فالدول التي يطبق فيها القانون بحسم تترسخ فيها القيم الأخلاقية على مدى الزمان، وأيضا لابد أن تعود العافية للمنظومة المجتمعية بحيث لا يكون هناك تساهل أو تسامح مع من يكذب أو مع من لا يتقن عمله أو مع من يمارس سلوك «الفهلوة واللف والدوران»، لأنه عندما يضع المجتمع لنفسه تلك الصفات والمعايير الأخلاقية غير المتنازل عنها يكون الضمير حاضرا وبقوة، وتأتي تلك المعايير الأخلاقية بطريقة واحدة وهي أن يكون هناك نخبة متزايدة قائدة في المجتمع تعمل على زرع تلك المعايير ومتابعتها والعمل على ترسيخها لتكون سلوكا في الدولة بعد ذلك، ولابد أن تدفع الدولة بالقيادات الأكثر خلقا في المناصب المسئولة ولا تعتمد على مسئولي «الفهلوة» لتعطي درسا في زرع الأخلاق وإيجاد الضمير.

> ماذا لو عاد الضمير للمصريين؟
ستجد أمورًا كثيرة تغيرت، فتعود الثقة بين جموع المواطنين وأيضا تعود روح التعاون في العمل والدفع بتقدم الدولة، وأيضا ستتحسن نوعية الحياة للمصريين وسيعم معنى الوطن والمواطنة، وأنا أرى أنه في حال عودة الضمير للمجتمع فلن نجد حالات الصراع السياسي واليومي وستتحول لحالة من التفاهم السلمي وسنجد أيضا تبادل للسلطة في كل المناصب والمراكز القيادية بشكل سلمي أيضا كما يحدث في الدول الأجنبية التي حدث فيها نوع من النهضة السريعة مثل ماليزيا والهند وسنغافورة وتركيا ولجأت تلك الدول إلى وجود قيادات لديها ضمير وإخلاص شديد وانتماء وحب للوطن والعمل بخطوات إصلاحية يبدءون العمل من خلال الدوائر الصغيرة المحيطة بهم لتتسع الدائرة وتشمل جموع المواطنين فتظهر النهضة والتقدم يحل.

> هل هناك حاكم بلا ضمير وأثر ذلك على شعبه؟
نعم هناك حكام بلا ضمير في كل دول العالم لا يعملون سوى لمصالحهم ويتركون الوطن يعيث فسادا، في مصر كان محمد حسني مبارك حاكما بلا ضمير وجعلنا دولة نامية وتابعة، ومبارك أيضا حاكم بلا ضمير وفاسد بحكم المحكمة وبالقضاء والجميع يعلم أنه كان لديه مشكلات وأزمات كبيرة جدا في الضمير، وبالطبع كان لذلك كبير الأثر على المواطنين فكان لهم من الفقر نصيب، وأيضا من الحوادث والتشرد وعدم الحفاظ على كرامتهم، وفي نهاية حكمه ثار عليه شعبه وأزاحه من منصبه.
الجريدة الرسمية