رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور يسري عبد المحسن: المرض النفسى لا يميز بين الفقير والغنى

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

منذ سنوات طوال والمرض النفسي تُحيطه هالة من الغموض والقلق في عيون المصريين، وظلت صورة الأمراض النفسية سلبية لدى جموع الشعب المصري فترة طويلة، إلى أن قلت حدتها وبدأت تتغير مع مرور الزمن، عن هذه القضية وعن طبيعة الشخصية المصرية وتحليلها وللتعرف على أبرز الأمراض النفسية الشائعة بين المصريين كان لنا هذا الحوار مع الدكتور يسري عبد المحسن، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة.


> هناك دراسة تؤكد على أن 17% من المصريين مصابون بأمراض نفسية، ما رأيك؟
أؤيد هذه الدراسة ولكن أود أن أفرق بين المرض النفسي الذي يرافقه أعراض ويحتاج المُصاب به إلى العقاقير الطبية أو الجلسات النفسية التحليلية أو جلسات تعديل السلوك أو الجلسات الكهربائية للتخلص منه، والحالة النفسية الطارئة التي قد يتعرض لها أي إنسان وترتبط بأسباب بيئية أو اجتماعية والتي لا تصل إلى درجة المرض فهى تزول بزوال المُسبب، فعلى سبيل المثال تفاعل الإنسان مع حادث وفاة أحد المقربين إليه يقتضى مروره بحالة حزن ويمكن أن نعتبر هذا الحزن حالة نفسية طارئة ولكن إذا طالت المدة الزمنية لهذه الحالة عن الحد الطبيعي لها تتحول إلى مرض اكتئاب، لذا فاعتقد أن نسبة 17% تجمع بين المُصابين بالأمراض النفسية وغيرهم ممن يواجهون حالة نفسية جراء أحداث حياتية.

> ما أبرز الأمراض النفسية الشائعة بين المصريين؟
تُعد أمراض الفاقة أو الحاجة هي أكثر الأمراض شيوعًا في المجتمعات المتوسطة ودون المتوسطة وبين الشعوب في الدول المتأخرة عن ركب الحضارة، وهذه الأمراض متمثلة في الاكتئاب يليه القلق ثم المخاوف النفسية وهى أكثر الأمراض شيوعًا في المجتمع المصري.

> كيف أثرت الثورات وما تبعتها من وقائع على المصريين وما تحليلك للشخصية المصرية بعد كل هذه الأحداث المتعاقبة؟
لم يستفد الشعب المصرى من الثورات حتى الآن كما أنه لم يجن ثمارها بسبب حالة التخبط السياسي التي مرت بها الدولة المصرية، فالصورة أصبحت مشوشة في وجدان الشعب المصري الذي لا يزال في فترة ترقب وانتظار، وهنا تظهر طبيعة الشخصية المصرية التي تتسم بالصبر والجلد والقدرة على الاحتمال فضلًا عن تحليها بالإيمان والوازع الديني الذي يمنحها ثباتًا يقيها من الاهتزاز والانهيار مع الأحداث الصعبة التي يعيشها وكذلك يتصف المصري بالإيمان بالوطن والانتماء إليه ولكن يشوب الشخصية المصرية عامل التسرع في جنى ثمار الثورات، ومن طبيعة الشخصية المصرية أيضًا انتظاره لـ"المُخلص" والذي يتمثل في شخصية الرئيس السيسي، فالمصريون يعقدون عليه آمالًا كبيرة.

> إلى جانب التحمل والجلد والصبر والسمات الإيجابية، هل هناك تغيرات سلبية طرأت على الشخصية المصرية؟
نعم، وفى هذا الإطار أود أن أقسم المصريين إلى ثلاثة فئات، الأولى هي فئة لديها أمل وإيمان بالله ومتفائلة، والثانية متشائمة وتحمل الهم بصورة دائمة وتشيع الكآبة واليأس في محيطهم بالعدوى، أما الفئة الثالثة فتكشفى بالعزوف عن كل الأحداث وتنأى بنفسها عن كل شىء.

> كيف يمكننا تقويم الشخصية المصرية؟
لابد وأن نتجنب التعثر بأسرع ما يُمكن، وأن تحاول الدولة رفع مستوى المعيشة قدر الإمكان وأن يكون هناك حافز يشع الأمل في نفوس المصريين وهذا لن يتحقق إلا من خلال توفير "لقمة العيش" للمصريين، حتى لو بأبسط الوسائل والسُبل.

> ما أشهر الأمراض النفسية التي تُصيب كل من النساء والرجال؟
تُصاب النساء بالأمراض الوجدانية التي تُصيب العاطفة وتؤثر فيها مثل الهوس العقلى والاكتئاب العقلى والاضطراب الوجدانى ثنائى القطبين، أما الرجال فيصابون بالأمراض المتعلقة بالتفكير مثل الفصام العقلى، والقلق والتوتر، ولا يُمكن تحديد أي من الرجال أو النساء يصابون أكثر بالأمراض النفسية.

> وهل هناك أمراض نفسية تُصيب الفقراء وأخرى تُصيب الأثرياء؟
نعم، فالفقراء يُصابون بأمراض "الحاجة" ويتسبب الفقر المدقع الذي لا يجد فيه الإنسان المأوى أو المشرب أو المأكل في الإصابة بأمراض نفسية قد تتطور إلى أمراض عقلية مثل الفصام العقلى والاضطرابات الوجدانية ثنائية القطب، وهى ما يُصاب بها المُشردون في الشوارع والميادين، أما الأثرياء فيصابون بأمراض "الفائض عن الحاجة" والزيادة عن الحاجة، وهى أمراض الفراغ والبحث عن معنى للحياة، فحينما يصل الإنسان إلى درجة من الثراء ولا يحقق إشباعًا نفسيًا ورضا وقناعة يتعرض للمرض النفسي.

> وماذا عن المشاهير؟
تعتمد أمراض الشهرة في الأساس على طبيعة شخصية المشهور نفسه قبل أن يدخل إلى دهاليز هذا العالم، فإن كانت شخصيته صلبة قوية وواثقة من نفسها وتملك اتزانًا نفسيًا ودخلت إلى عالم الشهرة بمجهود وسعى وثقة وسرعة هادئة فإن الشخصية ستكون آمنة من الأمراض النفسية أما إن كانت شخصية مضطربة ومهزوزة وحصلت على الشهرة بصورة مفاجئة فإنها ستتعرض للمرض، ومن أبرز أمراض المشاهير شعورهم بأنهم في خندق وسجن نظرًا لأن كافة تحركاتهم محسوبة والضوء مصلت عليها، ولأنهم لا يملكون حرية كافية لممارسة حياتهم بصورة طبيعية كالآخرين، فضلًا عن المجهود النفسي الذي يبذله المشهور للحفاظ على مكانته.

> متى يشعر الإنسان بأنه مريض نفسيًا ويحتاج إلى العلاج؟
يحدث هذا حينما يكون الإنسان غير متوافق مع نفسه وغير راض عنها وكذلك غير راض عن أدائه في الحياة ويشعر بالضيق طوال الوقت، وحينما يشعر بعدم التوافق مع المحيطين به وتشوب علاقته بالآخرين حالة من الارتباك بما تؤثر على توافقه مع نفسه وعلى الغير بما يؤثر على إنتاجه في العمل وعلاقته بمن حوله، وتؤدى به هذه الحالة إلى ظهور أعراض جسدية أو نفسية، في هذا التوقيت لابد وأن يتوجه إلى الطبيب النفسي لتلقي العلاج اللازم.

> وكيف يصل الإنسان لحالة السلام النفسي؟
عنوان السلام والاتزان النفسي في تقديري الشخصي يتلخص في ثلاثة عناصر: الإيمان بوجود قوى عظمى تحكم الكون، والإخلاص في السعي الدؤوب في الحياة وفقًا لحدود القدرة الإنسانية بنية رضا الله ونفع الآخرين، وأخيرًا الرضا، ومن لديه الاستعداد للرضا سيقنع بما لديه، وأود أن أؤكد أن أعظم ما يصعد من الأرض للسماء هو الإخلاص والإقدام على عمل كل شىء في هذه الحياة بنية خالصة لوجه الله، وأعظم ما يهبط من السماء إلى الأرض هو التوفيق.

> وما تحليلك لشخصية بعض الإعلاميين ممن يلجئون إلى الصوت العالى للتعبير عن آرائهم؟
جملة واحدة يمكن أن تصفهم وهى " الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب"، وعادة ما يحتل هؤلاء مكانة عند الجمهور الذي يحب هذا الأسلوب في التقديم، فالإعلامي ذو الأداء الانفعالى يحرص على متابعته جمهور انفعالى أيضًا، فالمتلقى يختار ما يناسبه وما يستحقه.

> ما تحليلك لشخصية الرئيس السيسي؟
السيسي إنسان ودود صادق مع نفسه ومتواضع ومنضبط، كما أنه مخلص وهادئ وصاحب أفكار مرتبة ومنظمة، وأ كثر ما يظهر عليه أن عاطفته عادة ما تغلب عليه، بالرغم من أنه رجل عسكري، ولكن وراء قناع الطيبة والعاطفة دهاء وعقلية رجل مخابراتى من الطراز الأول.
الجريدة الرسمية