رئيس التحرير
عصام كامل

أصل الحكاية


في عام ١٩٩٠، التقت أبريل جلاسبى السفيرة الأمريكية في العراق، الرئيس صدام، وأوهمته أنه رجل أمريكا في المنطقة، وأنهم يعتمدون عليه في حل المشكلات، وأنه لا بأس من التواصل مع مسئولى الكويت وطلب بعض الإعانات منهم لتحسين اقتصاد بلاده.. وفى نفس الوقت أخطرت أمريكا مسئولى الكويت بما ينتويه صدام وأن عليهم ألا يستجيبوا له، فلا يعطوه إلا القليل..وكما شرب صدام الطعم، شربه أيضا مسئولو الكويت.


وما هي إلا أيام حتى اتصل صدام بالكويتيين وأفهمهم أنه في أمس الحاجة إلى ١٠ مليارات دولار، و٤،٢ مليارات دولار حق العراق في البترول الذي سرقه الكويت من حقل بترول الرميلة على الحدود العراقية / الكويتية..كما طلب منهم أيضا أن يمكنوه من جزيرتي "وربة" و"بوبيان" حتى تكونا موطئ قدم له في مواجهة إيران..بالطبع لم يستجب الكويتيون لشيء مما طلبه، اللهم إلا نصف مليار دولار فقط، الأمر الذي أثار غضبه وحنقه، فقام بغزو الكويت واحتلالها في ٢ أغسطس ١٩٩٠.

ولتستكمل أمريكا الحكاية، بدأ بوش الأب ينادى بتحالف عسكري دولى لتحرير الكويت وطرد المحتلين الغزاة.. في نفس الوقت كانت هناك محاولة من مرشد الإخوان ورئيس وزراء تركيا وأمير الجماعة الإسلامية في باكستان لإقناع صدام بالانسحاب من الكويت، حتى لا تتعرض المنطقة برمتها للخراب والدمار، والاحتلال الأمريكى، فأمريكا تسعى لإزاحة صدام من الكويت، كى تقعد هي على منابع النفط في الخليج.. وذهب الوفد إلى المملكة العربية السعودية وأفهموا المسئولين هناك أنه من الممكن إقناع صدام بالانسحاب وتجنيب المنطقة ويلات الحرب.

اقتنع المسئولون بذلك، وعندما علمت أمريكا أن "الطبخة" التي أعدتها سوف تفسد، أرسلت ديكًا تشينيًا إلى السعودية وأقنع المسئولين السعوديين بأن أطماع وطموحات صدام لن تتوقف عند الكويت ولا حتى الخليج، وإنما هي تتجاوز ذلك كله إلى السعودية ذاتها.. ثم هو - أي صدام - لديه رابع جيش في العالم (هكذا)، وبالتالي لن تستطيع جيوش الدول العربية مجتمعة أن تتصدى له، إن هي حاولت ذلك.. ومن هنا فلابد من اصطفاف الجميع تحت راية التحالف الدولى الذي تقوده أمريكا.

وقد كان.. وفى ١٧ يناير من عام ١٩٩١، قام التحالف - بقيادة شوارزكوف - بتنفيذ "عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت.. ونجحت العاصفة في مهمتها، حيث خرجت القوات العراقية من الكويت تجر أذيال الخيبة والعار.. حاول "شوارزكوف" أن يتبعها حتى بغداد، لكن "كولن باول" رئيس الأركان آنذاك أمره بالتوقف، غير أن الأول رفض النزول على هذا الأمر ومضى في طريقه يريد تحقيق غرضه، فاضطر "كولن باول" إلى استحضار أمر من بوش الأب شخصيا، حيث إن غزو العراق مسألة أخرى لها استراتيجيتها وظروفها وتوقيتها.. عند ذاك توقف شوارزكوف.. وفى ٣٠ أكتوبر من نفس العام، كانت سوريا وفلسطين وإسرائيل وأمريكا يجلسون على طاولة المفاوضات في العاصمة الإسبانية مدريد لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.

نجحت أمريكا إذن في تحويل الصراع من عربى / إسرائيلى إلى عربى / عربى، بل من عربى / إسرائيلى إلى فلسطينى / إسرائيلى، ليتم الاستفراد بالقضية الفلسطينية، تمهيدًا ليس لإنهائها وإنما للقضاء عليه.

بعد ١٢ عاما ادعى بوش الابن أن العراق لديه مفاعلات وأسلحة نووية، وأن هذا لا يهدد المنطقة فحسب، وإنما يهدد العالم بأسره (هكذا) ومن ثم لابد من ردعه، وهذا يستلزم غزو العراق واحتلاله(!)..

وقامت تظاهرات مليونية في كل بلدان العالم، حتى في أمريكا نفسها، رافضة للغزو، لكن بوش كان عازما على استكمال مخطط والده.. ورغم هذه التظاهرات الضخمة، غزت قوات التحالف بقيادة أمريكا العراق من الشمال بالاتفاق مع الأكراد، ومن الجنوب بالاتفاق مع الشيعة.. وتم احتلال العراق في ٨ أبريل من عام ٢٠٠٣، ولتكتمل فصول الماسأة جاء يول بريمر بعدها، لكى يقوم بتفكيك كل مؤسسات الدولة، حتى الجيش.. وتم نهب العراق، بتروله وثرواته، حتى الآثار لم تسلم هي الأخرى.

وأبيد مئات الألوف من أهل السنة، وتم تسليم العراق للشيعة "تسليم مفتاح" كما يقال، لتبدأ بذلك الحرب المذهبية، لا في العراق وحدها، لكن في المنطقة بأسرها.. كل ذلك من أجل سواد عيون الصهاينة الجدد، والصهاينة الذين يحتلون أرض فلسطين.. في البداية كان أبو مصعب الزرقاوي في العراق، ثم كان تنظيم داعش في العراق وسوريا.
الجريدة الرسمية