رئيس التحرير
عصام كامل

ارتباط بعيدا عن مذبح الكنيسة.. القضاء يحكم بصحة زواج أرثوذكسيين «مدنيا».. محامي الزوجين: الحكم موافق لصحيح القانون وينتصر للدولة المدنية.. الطاعنون على الزواج «عديمو الصفة».. ومعار

فيتو

يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكونان جسدا واحدا..(تكوين 2: 18-22)، هكذا قال الكتاب المقدس عن الزواج، ولذلك تعتبر الكنيسة القبطية الزواج «في المسيحية»، أحد أسرار الكنيسة المقدسة من "معمودية وتناول وما شابه".


وتعود قدسية الزواج لعدد من الأمور، ولعل أبرزها أن الله الخالق هو مؤسس ذلك السر منذ بدء الخليقة، وفقا لما ورد بالكتاب المقدس حينما خلق حواء من أحد أضلاع آدم، ليخلق حواء لتكون معينا نظيرًا له، ودعيت امرأة لأنها من امرئ.

منذ عرفت مصر المسيحية حينما جاءها البطريرك الأول للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية، سنة 61 ميلادية، وتسلم البطاركة من بعده موروث التعاليم اللاهوتية والدينية، وأحد ركائزها الزواج الكنسي وتوثيق العقود من خلال كهنة معتمدين لدى الدولة.

خلال الأيام الماضية، صدر حكم قضائي يعتبر الأول من نوعه، بصحة زواج اثنين من الأقباط الأرثوذكس مدنيا، وفقا للحكم بالقضية رقم 1950 / لسنه 2015 والصادر من محكمة الأسرة الدائرة 18 بعين شمس، والحاصل عليه المحامي سعيد عبدالمسيح.

الأمر الذي أثار جدلا واسعًا بين الأوساط القبطية، لمخالفته للأمور المتبعة بالكنيسة القبطية، من أن الزواج يكون داخل الكنيسة وتقام طقوس وصلوات لمباركة الزواج أو تقديسه – وفقا للمعتاد.

وجاء تعليق البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرزاة المرقسية على الحكم، بأنه مخالف للدستور، قائلا: «هذا الزواج غير دستوري، ولا يمت للشريعة المسيحية بصلة، وتحكمنا شريعة مسيحية شأنها شأن الدين الإسلامي».

القصة وما فيها
«فيتـــو»، تواصلت مع أطراف القضية لتطرح آراء القصة منذ الوهلة الأولى وصولا للحكم الصادر في القضية بتاريخ 18 / 11 / 2015، ولم يظهر سوى من أيام قليلة.

طرفا القصة بالأساس الزوج والزوجة وفقا لحكم إثبات الزواج، وكل الزوج (عزت. ن) وهو مواليد عام 1964 شقيقه، ووكلت الزوجة (جيهان. م) مواليد عام 1976، المحامي سعيد عبدالمسيح، لإتمام إجراءات إثبات الزواج مدنيا، وإنهاء إجراءات سفر العروس لزوجها بإقامته بألمانيا.

الزوج «عزت» والمقيم بألمانيا منذ سنوات أنفصل عن زوجته بعد أقامت دعاوى بالمحكمة الألمانية، وأراد أن يتزوج مدنيًا من أخرى بكرًا تعود مواليدها لمحافظة أسيوط، وهنا يبدأ المسار الذي وصل لصدور أول حكم بالزواج المدني.

وعقدوا اتفاقا الزواج في 8 سبتمبر العام المنصرم، من خلال وكلاء الطرفين، أعمال بالزواج بالوكالة وفقًا للنظام العام بالقانون، واقاموا دعوى في 15 من ذات الشهر، وصدر حكم فيها 18 نوفمبر العام الماضي.

الحكم «بيور»
وصف سعيد عبدالمسيح، محامي الزوجين، الحكم الصادر بإثبات الزواج مدنيًا بـ«البيور»، نظرًا لاتفاقه مع صحيح القانون، ويعُد انتصارا للدولة المدنية بالدرجة الأولى.

وقال عبدالمسيح، في تصريحات لـ«فيتو»، إن القاضي طبق صحيح القانون رقم واحد لعام 2000، موكدًا أن الحكم نهائي وبات ولا يجوز الطعن عليه ولا مجال للتعلل بالمادة الثالثة من الدستور، نظرا لأن القاضي يطبق قوانين وليس دستورا.

الأوراق الرسمية
وأضاف أنه استخرج شهادة من الأحوال المدنية بأن موكليه زوجان لهما وثيقة زواج مدني، واستخرج بطاقة الرقم القومي للزوجة، وأثبت اسم الزوج في بطاقة الرقم القومي؛ مشيرا إلى أن الحكم لا يلزم الكنيسة بشيء، وإنما جاء انتصارا للقانون وفقا لقبول وتراضي طرفي العقد.

وشدد على أنه لا يستطيع أحد التعلل ببطلان الحكم لعدم إقامة الطقوس أو مراسم الزواج كنسيًا، نظرا لإرادة المتعاقدين على الزواج مدنيا وليس كنسيا.

وأكد أن القانون يعطي الحق للمصريين في الزواج مدنيا، سواء كان مسيحيا أو مسلما، ويتعين على الكنيسة ألا تعترض على من يلجأ للزواج المدني.

وأشار إلى أن القوانين العامة تبيح إقامة دعاوى إثبات زواج لمن بلغت سنه الـ16 عاما على زوجها، من رجل يبلغ الـ18 عاما، وبذلك رخصة بالقانون العام الذي يطبق على كل المصريين، ولا يجوز الحجر على حرية أحد.

عديمو الصفة
وعن تقديم محامين للنائب العام الطعن على الحكم الصادر، قال "عبدالمسيح" إن استنادهم لنص المادة الثالثة ما زالت كلاما عاما لم يترجم إلى قوانين، وتعد مناشدة للمشرع «مجلس النواب» بأن يصدر نصوصا قانونية بأحكام للحالة العامة.

وأوضح أن الذين تقدموا بشكاوى إلى النائب العام عديمو الصفة والمصلحة القانونية، والكنيسة وحدها صاحبة الصفة ولم تطعن، وللنائب العام حق الطعن على الأحكام لمصلحة القانون في الاحكام النهائية، أما الحكم الصادر فلا يخالف القانون وإنما مبني على قانون الإثبات.

وأضاف: «ليس من حق النائب العام الطعن في أحكام مخالفة للدستور، وإنما الدستورية العليا صاحبة الاختصاص وليس النقض، والصادر حكم وليس قانون، والطلبات المقدمة هي والعدم سواء ولا يستطيع أحد الطعن بالنقض بعله إنه مخالف للدستور، لأن النقض غير مختصة ولا تملك إهدار حجيه هذا القانون ولا وقف تنفيذ الحكم».

واستند ايضًا لنص المادة رقم 3 من ذات القانون، بأنه تصدر الاحكام طبقا لقانون الأحوال الشخصية والوقف وتعمل بما لم يرد بشأنة نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال لأبي حنيفة، ومع ذلك تصدر الأحكام في المنازعات الشخصية المتعلقة بالأحوال الشخصية لغير المسلمين المتحدين الملة والطائفة والتي كانت لهم جهات قضائية ملية حتى 31 ديسمبر عام 1955 طبقا لشريعتهم بما لا يخالف النظام العام.

ميلاد طفل
وأكد أن الحكم الصادر مبني بالأساس على النظام العام لا سيما عدم وجود قانون منظم للأحوال الشخصية للأقباط منذ وقف العمل بلائحة 1938، وبات الزواج حاليًا كواقعة ميلاد طفل لا يستطيع أحد إنكار خروجه للحياة.

واختتم حديثه بأن أسرتي الزوجين كانوا على اتفاق وقبول بزواجهما، وشقيق الزوجة شاهد على عقد زواجها، بالإضافة إلى اعتزام الزوجة السفر لزوجها لإتمام مراسم الزواج بأحد الطوائف الأرثوذكسية بألمانيا.

معارض
فيما يرى كرم غبريال، المحامي وأحد المتقدمين بطلب للنائب العام بالطعن على الحكم، أن الحكم لم يعلنه المحامي سعيد عبدالمسيح للإعلام إلا بعد فوات مواعيد الطعن عن عمد.

وقال "غبريال"، في تصريحات خاصة لـ"فيتو"، إن محامي الطرفين استخرج شهادة من الجدول بأنه لم يطعن أحد على الحكم وسجل لهم بموجب الحكم أصدر وثيقة زواج من مصلحة الأحوال المدنية بناء على الحكم الصادر بإثبات الزواج.

زواج عرفي
وأضاف: "إن الأمر مبني على زواج عرفي بين رجل وامرأة، لو كانا زوجين مسلمين لكان صحيحا، وإنما مع زوجين مسيحيين فهو باطل بطلان مطلق ومخالف للدستور والقانون".

وأشار إلى أن الدستور هو الوثيقة العظمى للبلاد وأبو القوانين، وجاء بالمادة الثالثة "شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، والكنيسة القبطية تعتمد الزواج كاحد أسرار الكنيسة السبعة ولا تعترف باى زواج خارجها".

وألمح إلى أن المحكمة الدستورية العليا وهي أعلى سلطة قضائية تقول منذ تأسيسها إن المسيحيين المصريين يخضعون لشريعتهم الخاصة، وأيضا يخالف أحكام محكمة النقض المصرية المستقرة.

وأوضح أن الدستور يقول إن للأقباط الاحتكام لشرائعهم المنظمة لأحوالهم الشخصية، مما يعني الخضوع للقانون المنظم وهو لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة بتاريخ 8 / 8 / 1938، وتعديلها في عهد البابا الراحل شنودة الثالث عام 2008.

الحكم مخالف
وأكد أن الحكم مخالف للقانون والدستور، ولكنهم لا يستطيعون الطعن عليه، وكذا أصحاب الزواج العرفي نفسه لا يحق لهم الطعن عليه.

وتابع أن الحل الوحيد اللجوء ببلاغ للنائب العام بمطالبة للطعن على الحكم طبقا لنص المادة 250 من قانون المرافعات المصرية، ليطعن على الحكم أمام محكمة النقض أو وقف تنفيذ الحكم، ويحق لكل مسيحي لاعتباره ذا صفة يقدم نفس الطلب.

المادة 250 بالمرافعات
استند إلى المادة 250 من قانون المرافعات يعتمد عليه الطعن، وهو "أن للنائب العام حق الطعن على الأحكام التي فوت الخصوم ميعاد الطعن فيها أو نزلوا فيها عن الطعن يكون الخصوم يدركون أنه مخالف ولم يطعنوا عليه، يرفع طعن من خلال النائب العام وينظر الطعن في غرفة المشورة ولا يفيد الخصوم من هذا الطعن ويكون إفادته لمصلحة القانون".

وتابع: "لن يستفيد الزوجان سواء ألغي الحكم من عدمه فإنهما نفذا ما يريدانه، وإنما يستفيد 25 مليون مصري مسيحي، يضمنون بأنه لا يوجد قاضٍ بعد ذلك سيحكم بإثبات زواج عرفي لأي من المسيحيين مرة أخرى".

الجريدة الرسمية