رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة القبض على فاطمة


لا يمكن لأحد أن يتخيل أن المهندسة والشاعرة والكاتبة والزوجة والأم التي تقابلت معها منذ سنوات، "فاطمة ناعوت"، خطر على المجتمع، ولهذا يصدر ضدها حكم بالسجن، فالأصل في إقرار الأحكام هو فصل المتهم عن المجتمع لأنه خطر عليه، لا يمكن لأحد أن يتخيل أننا ونحن في عصر العولمة وطرق التواصل الفكري المتاحة أن يُحاسب أحد على ما يفكر فيه، لا يمكن لأحد أن يتخيل أن الدستور الذي خرجنا بالملايين نصوت له باعتباره غير مسبوق في الحقوق المدنية والحريات، مازالت مبادئه حبيسة الأدراج وكأن شئيًا لم يكن، لا يمكن أن ندرك أن "ناعوت" و"البحيري" خلف القضبان بتهم تتعلق بالدين، بينما "برهامي" و"الخضيري" و"أبو إسلام" و"مصطفى العدوي" خارجه، المؤسف أنه في وسط نسبة جهل وأمية وضعف تعليم متفشية في مجتمعنا المصري، نجد أن أفضل عقول يتم سحبها إلى المحاكم بهذه التهمة المشوهة.


الغريب في الأمر أن هذا القانون تم وضعه في الماضي لحماية الأقليات الدينية من الازدراء على يد متطرفي الأغلبية، فقد وضعه السادات بدعوى وقف عناصر الجماعات الإسلامية عن مهاجمة الدين المسيحي على منابر المساجد، والآن نرى بأعيننا على من يُنفذ، وكيف يتم استخدامه، ولهذا فلم يتقدم الغرب إلا حينما أطلق الحريات بعيدًا عن أي استثناءات، فالدين والمؤسسات والدولة جميعها كائنات اعتبارية، بينما الكائن الحقيقي هو الإنسان، والذي أمنه وحريته وسلامته هو الشيء المقدس فقط في تلك المجتمعات..

في زيارتي الأخيرة لمصر صُدمت من كم الأزمات والمشكلات والمخالفات المرورية والطرق ومخالفات البناء على الأراضي الزراعية والتسول وإلقاء الزبالة في الشوارع والتحرش، وكان كل ما سبق أولى بالاهتمام وتطبيق القانون بدلًا تطبيق قانون مخالف للدستور على كلمات وحروف قالتها أو كتبتها "فاطمة ناعوت"، وفي بلد يعاني من طول إجراءات التقاضي والأحكام، تم الحكم في هذه القضية في 15 شهرًا فقط.

مشاهد مؤسفة ومحبطة لم تكن ولن تكن أبدًا معركة دفاع عن الدين، ولكنها معركة كل مستنير مع تجارة من دعاة الكراهية وتغييب العقل منذ قرون وعقوبات ما يسمى "الازدراء" نالت ابن رشد والكندي والفاربي وغيرهم الكثيرين، ممن سجنوا وضربوا بل وقتلوا، والآن تلاحق هذه العقوبات أمثال أحمد صبحي منصور ونصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وسيد القمني وكرم صابر وأخيرهم "إسلام البحيري" و"فاطمة ناعوت"، وغيرهم غدًا، قضايا أصبحت عارًا علينا وعلى الدولة المصرية.

ولا غرابة في هذا طالما الرئيس يتحدث عن تجديد الخطاب الديني ولا تعليم تغير ولا أزهر تطور ولا برلمان تحرك، في مشهد مثير للريبة، عن توجه هذا البلد..
الجريدة الرسمية