رئيس التحرير
عصام كامل

فاطمة ناعوت..التاريخ وقيود الحرية!


للأسف الشديد نحن لا نتعلم من تاريخنا أو تجاربنا وجميعنا يرى أنه الأكثر فهما وعبقرية، بالرغم أن ابن خلدون يقول: ذاكرة الأمة هي العظة والاعتبار، أي يقصد أن ذاكرة التاريخ علينا أن نتعظ ونعتبر منها ومن أحداثها، وتتردد مقولات كثيرة والتى تؤكد هذا المعنى، فهناك من يؤكد أن ما ليس له ذاكرة تاريخية ليس له حاضر أومستقبل، وأضيف على هذه الآراء أن التاريخ هو علم المستقبل، فبقدر استيعابك وفهمك وتعلمك من تاريخك تقرأ وترسم ملامح مستقبلك.


والحقيقة أخشى أن أظل أردد بعضا من كلماتى مرات عديدة، الذي دفعنى لتكرار بعض هذه الكلمات مايثور حاليا على الساحة وللأسف معظمها قضايا لاتستحق الضوضاء التي تحدثها، هل تعلمنا من درس رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ وما أثاره في أثناء نشرها الشيخ محمدالغزالى والمعركة التي حدثت وقتها؟ هل تعلمنا من مشكلة رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر"؟ هل تعلمنا من أفكار فرج فودة ونتيجة هذا الفكر والأسلوب المرفوض في التعامل معه؟ هل تعلمنا شيئا من هذه الحوادث وغيرها المتشابهة معها؟ وقبل هذا كله هل تم دراسة مشكلة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وقضية الشعر الجاهلى في عشرينات القرن الماضى..!؟ لو أننا تعلمنا شيئا ما أصبح إسلام البحيرى خلف القضبان ليس لأنه صح أو خطأ بقدر أنه كان لن يكرر أخطاء السابقين، أو على الأقل كان سيلتزم بآداب الحوار الناضج وليس السافل، الحوار الملتزم وليس غير الملتزم.

ماذا حدث في الأيام القليلة الماضية ؟ الحكم على فاطمة ناعوت بالسجن، وللأسف كما أعلنت هي أن السيد وزير الثقافة أول من اتصل بها وأكد وقوفه بجانبها، القضية ليست مجرد آراء نتبادلها ولكن هناك حكم قضائى وبالتالى تتراجع هنا الآراء الشخصية، فالسيدة فاطمة ناعوت عندما تكتب:

"بعد برهة تساق ملايين الكائنات البرية لأهول مذبحة يرتكبها الإنسان منذ عشرة قرون ونصف ويكررها وهو يبتسم، مذبحة سنوية تكرر بسبب كابوس أحد الصالحين بشأن ولده الصالح، وبرغم أن الكابوس قد مر بسلام على الرجل الصالح وولده، إلا أن كائنات لاحول لها ولا قوة تدفع كل عام أرواحها وتنحر أعناقها وتزهق دماؤها دون جريرة ولا ذنب ثمنا لهذا الكابوس القدسي".

هل يمكن القول على رؤيا من الله جاءت في كل الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام بأنها كابوس مقدس؟ لو أنه كابوس فلا يمكن أن يكون مقدسا.. وهل هذا أسلوب يمكن الحديث به عن أبو الأنبياء؟، ماذا لو كتب ناقد أو صحفى غير متخصص أو مواطن بسيط على ماكان يكتبه نجيب محفوظ تحت عنوان "أحلام فترة النقاهة" أو ما كتبته "رأيت فيما رأى النائم" كوابيس نجيب محفوظ ؟ كانت ستسن الأقلام وتعلو الحناجر باحترام الأديب الكبير وكيف يتجرأ الصغار للكتابة أو الكلام عن رمز أدبى عالمى بهذا الشكل، نفس هؤلاء لا مانع عندهم الحديث عن أي من الأنبياء بأسوب التحقير أو يحاولون نزع عنهم المكانة التي وضعوهم فيها.

ونموذج نقدمه من الذين يدافعون عن هذا الاتجاه وطبيعى يتبنى فاطمة ناعوت وأفكارها وهو الدكتور سامى الذيب صاحب موقع "الحوار المتمدن" وهو يعد من أكثر المواقع شيوعا ويتابعه ملايين، يكتب مقالا تحت عنوان "إبراهيم الخرفان والعنف في المجتمع العربي والإسلامي" هل هذا أسلوب يليق أو ممكن التعامل به مع الأفراد العاديين، ويكتب في المقال "لقد توارث المسلمون عن إبراهيم عادتين من أبشع العادات التي عرفتها البشرية: عادة الختان وعادة ذبح الحيوان. فكل عام يتم ختان الملايين من الأطفال لذكرى ختان إبراهيم، ويتم ذبح ملايين الخرفان لذكرى تضحية إبراهيم ابنه واستبداله بكبش. والأغرب من كل ذلك أنهم يعتبرون هذين الحدثين عيدا، بدلا من أن يعتبراهما يوم حداد، حداد على العقل المفقود"

أعود لتكرار سؤالى: لماذا لانتعلم من تاريخنا ؟ولماذا نكرر أخطاءنا بنفس المفردات؟ لست ضد الحرية بكل أشكالها، حرية العقيدة، حرية الفكر، حرية الاختيار في كل شىء، ولكن الحرية الحقيقية لاتتصادم مع كل ماهو نبيل وإنسانى قبل نزول الرسالات السماوية، يكفى قسم الفرعونى الذي جاء فيه "ألا ألوث ماء النهر"هذا أمر نبيل وصحى وارتدى بعد ذلك الثوب الدينى ولكن كل المثل النبيلة سبقت الأديان.

الحرية هي أكبر قيد على المبدع والمفكر وليس العكس، يروى الصديق رسام الكاريكاتير جمعة فرحات قائلا: فوجئنا من الرئيس السادات بإلغاء الرقابة على الصحافة وهللنا من السعادة نحن فريق رسامى الكاريكاتير لمجلة فريق روزاليوسف المشاغب، الغريب -الكلام للفنان جمعة-عندما انفرد كل منا ليرسم بلا قيود لم نرسم شيئا، وشعرنا أن قيد الحرية أقوى بكثير من قيد الرقابة أو أي قوانين.

نريد من المفكرين نبل الفكر ونبل الأسلوب ونبل الطرح ولكم الحرية الكاملة بدون قيود قانونية أو غيرها..ولا للسجون حتى ولو كانت نبيلة، لحظتها فقط نكون قد تعلمنا من تاريخنا ولانكرر أخطاءنا !
الجريدة الرسمية