رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نحن مفسدون؟


قالت يا عزيزى كُلنا "لصوص" قُلت لها: أترينى لصًا ؟ قالت: كلا.. ولكن يُمكنك أن تكون.. فبيئتنا خصبة.. ونحن ماهرون في صناعة المفسدين"!

وأنا كغيرى من المصريين الحالمين بمستقبل أفضل للوطن.. تابعت بشدة كافة التقارير التي أصدرتها مؤسسة الشفافية الدولية والبنك الدولي عن مصر.. وكذلك التقارير التى أصدرها الجهاز المركزي للمحاسبات.. والتي تسببت في شن حملة شعواء على رئيسه المستشار "هشام جنينة " واتهامه بـ" العَمَالة " لصالح طوابير المتآمرين على النظام وعلى ذمة الرئيس.. ورغم أننى كتبت مقالات عديدة عن الفساد في مصر، ووجهت انتقادات حادة للجهات الرقابية ؛ إلا أن مشاركتى في الجلسة السادسة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كـ" مراقب دولي" والتي عقدت هذا العام في مدينة سانت بطري بيرك بالاتحاد الروسي؛ جعلنى ألاحظ عن كثب.. أن مصيبة مصر الحقيقية ليست في مواردها ولا في عقول أبنائها؛ وإنما في الفساد الذي سكن العقل المصري.. وعَشَشَ في مؤسسات الدولة.. الأمر الذي جعلنى أتسال معكم لماذا نحن مفسدون..؟

وقبل أن أجيب معكم على هذا السؤال..أود أن ألفت أنظاركم إلى أنه لولا مصداقية الرئيس "عبد الفتاح السيسي" ورغبته الحقيقية في"استئصال" الفساد لَمَّا استطاع المستشار "جنينة " أن يُفَجِر كل هذه القنابل.. ولَمّا تمكن من دخول أعشاش الدبابير كـ"القضاء والشرطة والجيش".. ولكن يبدو أنه تلقى الضوء الأخضر للفحص والتفتيش، وإعلام الشعب بما وصل إليه.. وربما ذلك لقناعة من الرئيس بأنه لا يستطيع أن يكافح فساد هذه المؤسسات منفردًا.. وأن رهان الرئيس دائمًا على الشعب، الذي متى أقتنع بفساد هذه المؤسسات، شَكًّلَ من قناعاته "درعًا" واقيا يُمَكِن الرئيس من هيكلة تلك المؤسسات والقضاء على الفساد الذي تَجَذَر فيها!

إذن لماذا نتهم الرئيس بالتستر على الفساد.. وربما كان هو الفاعل الخفي وراء كل هذه الأحداث.. والشاهد على ذلك جرائم الفساد المالى التي يتم كشفها يوما بعد الآخر؛ بفعل الأجهزة الرقابية التي بدأت تنحاز بقوة للوطن، وتتضامن في المسئولية مع الرئيس.. فكشفت في أقل من عامين قضايا فساد، تفوق بكثير تلك التي تم كشفها على مدى الستين عام الماضية!! كما أننى شاهدت بعيني في مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كيف كان اللواء "هشام حمدي" وكيل هيئة "الرقابدة الإدارية" والمقدم "فؤاد درويش" يسعيان بكل قوة لاسترداد أموال مصر المنهوبة ؛ولكن في كل محاولة قاما بها ؛ كانت قوانينا المحلية والاتفاقيات الدولية حائلا دون تحقيق أهدافهما الوطنية..! مما جعلنى استشعر عن يقين، بأن هناك تطورات تمت في أساليب ومنهجية العمل بهيئة الرقابة الإدارية، وبات انحيازها واضحا لمصلحة الوطن دون سواه!

ولا تزال إجابتنا عن السؤال قائمة، ولا تنفصل بحالٍ عن سنوات "الحرمان" الطويلة التي عاشها المصريون على مدى التاريخ، و" حياة النعيم " التي يعيشها أهل المال والسلطة ويعرضها الإعلام كل يوم على شاشاته ؛ فكانت مصدر إغراء لأبناء " البسطاء " الطامحين إلى حياة أفضل.. لون آخر وطعم للحياة ؛ لم يتزوقه قطاع كبير من المصريين.. وبمجرد أن فتحت السماء أبوابها لدعوات البسطاء، وتمكنوا من ارتقاء منصب إداري؛ دفعتهم سنوات الحرمان التي عاشوها والخوف من المجهول الذي يهدد مصيرهم - في حالة ترك السلطة - إلى مخالفة القانون والضمير ؛ كي لا يغادروا سفينة " المتعة " أو السلطة إلا بالموت، تاركين أبناءهم فيها..!

هذا أولًا.. وثانيًا لا نستطيع أن نتجاهل مقولة "إحراج النظام" والتي استمرت من عهد عبد الناصر وحتى نهاية حكم "مرسي" سببا كافية لانتشار الفساد في مصر، والتستر على المتورطين فيه.. وهذا ما خالفه "السيسي"عندما قدم قيادات كبيرة - كانت من اختياراته - للمحاكمة بتهمة الفساد..!

وثالثًا "المعايير" التي يستخدمها النظام في اختيار قياداته، والتي تعتمد بالأساس على أهل الثقة دون أهل الخبرة؛ فيفشل المسئولون ليس فقط لكونهم من ضِعاف الذمم، وإنما لأنهم لا يملكون الخبرة الكافية في إدارة الموارد والمؤسسات.. ولكى يحافظون على مناصبهم يدافعون بشراسة عن اختياراتهم.. ويجعلون آلية التشاكى غامضة.. ويعتبرون المُبَلِغ عن الفساد هو المُتَهَم الأول فيه ويستبعدونه من أي منصب قيادي؛ بدعوى أنه مُثير للمشاكل.. وجعلوا "المشي جنب الحيط" هو الطريق الأسلم للمكافأة والترقى..!

ورابعًا "خُمر السلطة" الذي تحدث عنه الإمام "الحلاج".. فعادة ما يختمر أهل السلطة؛ فيشعرون بأنهم يمتلكون "الحقائق المطلقة" ويغلقون آذانهم دون سماع أهل الخبرة؛ فتتفشى"الشلالية" داخل مؤسسات الدولة؛ ويصبح المسئول مجرد "أُذن وبوق".. أذن تُصَب فيها خرافات المقربين من أصحاب المصالح، و"بوق" لإصدار قرارات غير عادلة؛ تضر بصالح الوطن ومصالح المواطنين..!

وأخيرا تلك "الثقافة" التي تحولت إلى بيئة خصبة؛ لإنتاج كل ما هو فاسد.. ثقافة لا يمكن تغييرها ولا إصلاحها إلا بتربية وطنية جديدة أساسها الدين ومصلحة الوطن. وسياسات عادلة تقوم على تكافؤ الفرص، تقتل الروتين، وتسهل طرق التشاكى، وتكرس أليات للمسآلة الاجتماعية.. وتفتح قنوات شرعية واضحة لتعامل المواطنين مع أجهزة الدولة.. سياسات تكفل محاربة الفقر، وتُناسب دخول المواطنين مع موجات الغلاء.. وتقضى على نظام الوزراء والسفراء بالوراثة، والضباط والمستشارين بالوراثة.. سياسات تضع كرامة المواطن في المقدمة.. تلك روشتنا للإصلاح.. فهل يتستجيب لها الرئيس؟ أم أننى سوف أتحول إلى "مُتَهم".. أنتظر من الآن العقاب؟!
الجريدة الرسمية